ملاك وحيد وخائف .. صونيا خضر

الجسرة الثقافية اللإلكترونية-خاص-
سواء مات الطفل أو لم يمت، سواء غرقت العبارة فى البحر أو رست على الشاطىء، سينفض العالم الغبار عن كتفيه وينام نومه العادي بعد ذلك؛ أما الفيسبوك فسوف يستيقظ على صورة من صور الموت اليومي، الذي صار للبعض مصدراً للتسلية أكثر منه سبباً للحزن، ستعلو الأصوات جماعة بالتكبير، فرادى للتعبير كلّ عن مصابه الشخصي وأثر هذا المشهد عليه، وسيصبح بإمكان أي أحد توقع التفاصيل التى أودت لهذا الموت أو الآثار التي ستنجم عنه، إلا الطفل الذي مات قبل أن يتمكن من الكلام.
غوغاء وضجيج وكأن البشر يتدافعون نحو الحائط الأزرق، كلّ بقارب نجاته الوهمي من وسط الطوفان الذي يغمر هذا العالم ببطء شديد وقوة هائلة؛ منهم من يتسلّق ومنهم من يزحف ومنهم من يستنجد ويصرخ ومنهم من يستسلم ومنهم من يحكّ الحائط بطرف أصبعه أو يهمس بالقرب منه ومنهم من يبكي بكاءً حقيقياً موجعاً وهو يبتعد عن الحائط ويضرب كفاً بكف وهو يقول: “لا حول ولا قوة إلا بالله”.
ثم تشرق شمس صباح جديد ليعود كل شيء كما كان عليه ويتمدد سكان هذا الكوكب بكسلهم المعتاد تحت أشعة الكهرباء ونسمات الأنترنت، يواصلون أحاديثهم وخطاباتهم إلى أن تحين مناسبة لتدافع آخر.
الطفل آيلان الذي هزّ ضمير العالم بموته كما يقال، مات مخدوعاً بهذا العالم الذي كان يبادله الضحكات قبل قليل، مستسلماً لذراعي البحر بعد أن خدعه هو الآخر بحضنه الرحيم، وحيداً وخائفاً وسط كل هذا الموج والأدعية والصخب، شعر وكأنه في استراحة غير مهيأة كثيراً للنوم، شعر وكأنه سيستيقظ في مكان أكثر دفئاً وأقل وحشية، فاستسلم للنوم تاركاً ضمير العالم لاهتزازة عابرة لن يسقط من بعدها أكثر من كل هذا السقوط.
فقط عندما يحلّ الموت ويتوثق فى صورة صادمة كصورة آيلان مكفياً على وجهه ساكتاً لا حراك فيه، يتخفف العالم من صمته ويوشك أن يتكلم ، لكنه لا يفعل بما يكفى للحيلولة دون صورة أخرى فى وقت قريب، فهو ما زال غارقاً فى تأملاته العرضية بالحلول الممكنة، واللاجئين ما زالوا يتدافعون نحو تلك القوارب برغبة جامحة للنجاة غرقاً، والموت ما زال متربصاً محترفاً لبراعم لم يحن قطافها بعد، والشام بكل ياسمينها ما زالت تعطس الدماء لفرط الغبار.
فقط عندما يحلّ الموت يهتز ضمير العالم خارج أبواب الخمارات والملاهي، وتمتليء صدور المخنثين من المرتزقة الذين حلوا محل الحماة بالحليب، ويتوقف العالم لبرهة عن العربدة ثم يعود للرقص ودون أن يلتقط أنفاس من ماتوا.
لم يكن بوسع الطفل آيلان أكثر من ذلك، لم يكن بوسع جسده الصغير أكثر من هذا الخشوع وقت صلاة الفجر، ولم يكن بوسعه أكثر من هذا الموت الذى يدعو على الغثيان لفرط جماله؛
موت ملاك وحيد خائف
ملاك لم يتمكن من النوم
فمات..