ملامح النهضة الشعرية في دولة قطر – بقلم عيسى ابو الراغب

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –
*عيسى ابو الراغب
لا شك أن الثقافة تاريخ الشعوب ومن خلالها يمكن أن ندرس وضوح الرؤى لدى الكتاب وارتباطهم بقضاياهم أو القضايا الخارجية وتأثرهم فيها، حيث يشهد هذا العصر تداخلا لأنواع الأجناس الأدبية واشتباكها واشتراكها في خصائص ومشتركات ويرتبط فيها بلا شك مؤثرات وتوارد فكري في كثير من المواقع ،ولكن نحرص على أن نبين أن لكل منطقة وواقع خصوصية تبقى السمة الواضحة للثقافة هناك حيث يظهر جليا هذا الأمر من خلال الاطلاع ودراسة كتابات المثقفين في ذالك البلد أو تلك المنطقة والسير بتفصيل وتفكيك تكوينات الأدب لديهم للتعرف أكثر على ما يحويه أدبهم من مكنون وبعدها يكون للنقد أو القراءة الأدبية دور / مع لفت الانتباه أن هناك تشابكات كثيرة تكون بين الأجناس الأدبية المتواجدة كالرواية والقصيدة ففيها من التجانس والتقارب ما يجعل الاندماج والانصهار بينهما ممكنا وأي محاولة للفصل قد تكون مميتة أو قلقلة ومشاكسة لا فائدة منها / ولكن يكون الحرص من القارئ على أن يكون بتدافع لقطف الجماليات من الأعمال الأدبية والاعتراف بها حقا موثقا وثقافة حقيقية واقعة للكاتب .
وعودة للنقد الأدبي ليكون مدخلا لنا لدراسة بعض لمحات الشعر القطري حيث يمكننا القول أن النقد أو القراءة مشروع فكري يتسم بالرؤية للناقد وكيفية إسقاط العمل الأدبي بداخله بعيدا عن أي شخصنه أو محاباة أو تجير لهدف ما /مع الوقوف وبلا أي منازع ولا ريبة أن للنقد الأدبي أو القراءة مقاييس وضوابط تنبث من قراءة الحدث الثقافي / وأي ابتعاد عن تلك الضوابط يكون شذوذا غير محبب وقد يؤدي إلى انسياق الكثير من القراء خلفه لان النقد الأدبي يعبر عن رؤية العمق لقلب العمل الأدبي وتفكيك بكل أركانه واكتشاف للاسبار العميقة بدواخله / وبنفس الوقت لا يجب أن نضع النقد الأدبي أو الإعمال الأدبية في قوالب معلبة ونسير في كلها وجلها بنفس المسار
وبواقعة بحثنا وقراءتنا للحدث الثقافي القطري يمكننا القول أن هناك في المشهد الأدبي الثقافي القطري نخباً واعية متقدمة الفكر ذات أطروحات لا يمكن تجاهلها وأنها كانت قادرة أن ترسم لها نسقا وأطرا ذات جمالية وتعنون الحدث ببصمة جمال فتان والخروج من أي ارتباك قد يكون في قلب الحدث وان يكون الأفق مفتوحا أمامهم بلا أي حد
ولو أردنا أن نؤرخ ونوثق لقلنا مستمدين من قول
د. محمد عبد الرحيم كافود في محاضرة له في نادي الجسرة الثقافي حيث أوضح في خلال محاضرته كيفية واقعة الشعر في قطر مبينا أن الشعر مر بمرحلتين
الأولى
المرحلة الأولى : وتبدأ من أوائل القرن التاسع عشر الميلادي ،وهي مرحلة اتسم فيها الشعر بالجمود والركود وغلبة الروح التقليدية عليه، من الناحية الفنية والموضوعات (المدح- الرثاء-الغزل- النقائض والمهاجاة) .ومن شعراء تلك المرحلة: الطباطبائي وابن عثيمين وماجد الخليفي رائد الشعر الفصيح في قطر.
المرحلة الثانية
وتبدأ في منتصف القرن العشرين ، مع الانتقال من الحياة التقليدية إلى الحياة العصرية الحديثة، وهي تمثل بداية نهضة حقيقية للشعر الحديث في قطر، وظهرت مدرستان أو تياران
-التيار التقليدي
-التيار التقليدي وهو امتداد للمرحلة الأولى ، حيث إنّ اتجاه المحافظة على الموروث القديم من الناحية الفنية هو الأساس الذي جرى عليه الشعراء في هذا التيار. وأغلب الموضوعات والأغراض كان شعر المناسبات الدينية و الوطنية والتهنئة بالأعياد والمدح والرثاء وظهر الشعر الوطني والقومي. ومن شعراء التيار التقليدي:أحمد الجابر وعبد الرحمن المعاودة وعلي بن سعود آل ثاني.
ويمكن أن نستشهد هنا بمثال من أشعار الشاعر علي بن سعود أل ثاني حيث قال
تشبّثتُ بالأطلال لما بدا ليا تراثُ الكرام الغرّ يشمخ عاليا
وقفتُ على الرسم الذي فيه عزّتي وقد كان دينُ الله حيّاً وباقيا
سألتُ بقايا من بقايا فلم يجبْ سوى طللٍ يحكي إليَّ تراثيا
تراثَ رجالٍ جاهدوا بنفوسهمْ وما صنعوا زحفاً وما كان باديا
وبنظرة متفحصة للأبيات الواردات يمكننا أن نتعرف أن الشاعر ارتبط بالإرث والموروث بشكل كبير معتزا بمكانه معتزا بإرثه وكرمه وشموخه وتلك صفة كانت دارجة عند كثير من الشعراء في تلك المرحلة ولا ملامة عليهم حيث أن المفاخرة بالتراث الأصيل صفة محمودة لدى الشاعر بشرط عدم الشطح بعيدا عن الرؤية الشعرية أو الانسياق بشكل كبير بان يكون مديحا وبنفس الوقت مذمة للغير ولكن هذا لم يظهر لنا من خلال اطلاعنا على أشعار شعراء قطر
عطاءً لآباءٍ ورثتُ علومَهمْ وما سطّروا بحثاً من العلم حاويا
وقد ينصر اللهُ الحقوقَ بأمّةٍ تعود إلى أصل من الخير شافيا
ولن يعدمَ الرهطُ الكرام خليفةً يسود ربوعَ المسلمين مناديا
وهذه أبيات أخرى من قصيدة لقاء الأندلس وقد يظن القارئ أن الشاعر ابتعد كثيرا عن واقعه ولكن لا وجهة للشاعر بهذا فهو ارتبط ارتباط عربي أسلامي بموروث وتراث أجداده وأصبح معتليا بهذا منافحا عنه بكل اقتدار
ولو رجعنا قليلا لنستشهد بأشعار شعراء المرحلة الأولى رابطين الأمر بين المرحلة الثانية والأولى بطريقة مبسطة لعنونا القول بان هناك تشابك بين المرحلتين ولكن ليس على حساب الإسقاط لمرحلة على حساب الأخرى بل ارتباط سلس شفيف يتناغم برؤية ماتعة غير مقلقة للقارئ مع تبيان التطور في المرحلة الثانية باللغة والصورة وهذا أمر لا ريب فيه حيث أن التطور للحياة ينعكس على رؤية الشاعر
رماني زماني وابتلاني وقطني تحت سدرة فيها الحمام ربيب
اراهن اليا صاحن وناحن وغردن غدا القلب من نوح الحمام كئيب
واليا ناض برق من دياره تغورقن عيوني بدمع لايزال صبيب
ولا لاح بدر التم في غيهب الدجا تذكرت وجه من سناه قريب
تذكرت عهد شان بيني وبينها لا حذر من واش ولا خوف رقيب
لها مبسم عذب لذيذ ومحجر كما بارق له في الظلام وثيب
وعين تخال الموت في حجر موقها الى برقت اضحى السليم عطيب
هذه بعض من أبيات الشعر النبطي للشاعر ماجد الخليقي
وبقراءة وعلى غير عجالة للسابق من أبيات نجد وفرة المعنى وصدق المعنى والصورة في ذات الشاعر وهذه صفة محمودة يتصف بها شعراء قطر في كتاباتهم غير متملقين ولا مداهنين الكلمة بأي اتجاه
وبمثال أخر على ذائقة الجمال في شعر الشعراء في قطر
وحق البيد .. وعشق البيد .. وعينٍ تستبيح الما
وحق الخبز .. وملح الخبز .. والعشاق واحبابك
وحق اللي ظماك .. ولا ارتواك .. يرد لك .. يظما
دخيلك .. تطلق طيور “الجهاد” اللي على بابك!!
أنا ما قلت لك شفني .. ولا قلت .. الفراق أدمى
ضلوعٍ .. حزنها يمطر .. على شيحك وعنّابك!!
دخيلك .. والحزن فيني مدينة .. والسما ظلما
دخيلك .. كيف .. فز النور .. من قبرك وهلّابك!!
يقولون .. الغلا سامي .. وأنا قلت الوفا أسمى
جفا .. كل الوفا .. واللي صفا .. تسبيح محرابك
وحق الخصلتين اللي .. على حد النظر .. مرمى
رحيق الورد .. والا اللحد .. والا المسك بترابك
وحق النظرة اللي .. بعدها كن الزمان أعمى
من اللي هامته .. بعدك تطول وتروى أعشابك
زمانك .. وأنت .. والا لعبة الأيام في سلمى
زمانٍ كنت .. والا أنت .. والا طعنة أقرابك
وحق البيد .. وعشق البيد .. وعينٍ تستبيح الما
دخيلك .. تطلق طيور “الجهاد” اللي على بابك!!
القصيدة للشاعر فالح العجلان وهي قصيدة تناغمية موسيقية اعتمد الشاعر في ثناياها على عدم التكلف أو التصنع بل السير كما سلاسة الروح الشاعرية والإحساس لديه
ومن خلال الدراسة لما تقدم يمكننا أن نلمح أن هناك كان تطورا واضحا في القصيدة للشعراء في قطر وهذا حاله حال كل الشعراء في الوطن العربي وخاصة بعد دخول المدنية الحديثة والتطور وتبني الحكومات نشر التعليم والثقافة بشكل كبير وبالتالي كان لهذا مرده على تأطير حالة ثقافية ذات وعي ويمكن دراستها وتحلليها بشكل بنيوي وتفصيلي في الشعر القطري
حيث أن الحركة الأدبية في قطر نمت نموا سريعا وحققت انجازات كبيرة في مجالاتها ومما ساعد على ذلك أيضا إصرار أصحاب الموهبة والفكرة من أبناء قطر على دعم التنمية الثقافية بصفة عامة وليس الأدب وحده إلى جانب اهتمام الدولة بهذا الجانب الهام من النشاط الإنساني.
ولنكون بحق وتوثيق يجب ان نذكر المدرسة الاثيرية في قطر التي اسسها اشليخ بان مانع فكان لتلك المدرسة دورا كبيرا في نهوض الحالة الثقافية في قطر وظهور اجناس ادبية مختلفة تشابكت مع بعضها البعض لتكون بينان لا يستهان فيه من الثقافة
وسيكون لنا لاحقا اطلاع على الأجناس الأدبية الأخرى في قطر ليكون لنا في نهاية الأمر خاتمة نرابط فيها بين جميع الأجناس الأدبية في قطر ومن ثم إيقاع التشابك بطريقة واضحة المعالم بدون أن تغيب ملامح أي جنس ويطفو ملمح لجنس أخر