“ملكة سبأ” تُحال إلى الإفتاء العام

الجسرة الثقافية الإلكترونية
المصدر: العرب اليوم
ليس خمرا هذا الذي مزج مع ورق ” إرادة الكتابة ” ، وليس كفرا بخالق الكون ، حتى يحال هذا كتاب ” ارادة الكتابة ” لمؤلفته الدكتورة بلقيس الكركي ، إلى دائرة الإفتاء العام .. يقول الصحافي العتيق رسمي ابو علي ..
بعد محاولة الحصول على الكتاب ، لم نجد منه إلا نسخه الإفتراضية داخل عش العنكبوت ” الانترنت ” .. هناك تستطيع ان تبني مكتبة بين شباكه .. الكتاب من إنتاج قلم الدكتورة بلقيس الكركي وهي الأكاديمية المتمرسة في الجامعة الاردنية ، صاحبة الإلتزام الواضح بالإيمان العميق في تحرير العقل من الجهل … لهذا كان اسم كتابها يحمل عنوان ” إرادة الكتابة”.
الحاصل انه و بعد ذهاب الكركي الى دائرة المطبوعات والنشر الاردنية فما كان من الدائرة إلا أن تحيل الكتاب إلى الافتاء العام نظرا لوجود فقرة في الكتاب يأتي في مستهلها ” الله ليس روائيا جيدا .. ” .. هنا فقط حولت دائرة المطبوعات والنشر الكتاب الى المعني حسب تعليمات رئاسة الوزراء الاردنية كما تقول المسؤولة في الدائرة ” فاتن الحياري “، إلى دائرة الافتاء العام.
دائرة المطبوعات و لباقة التواصل
الاستاذة فاتن الحياري لم تقطع اي اتصال او ترفض اية اجابة على اي استفسار ، بل اثنت على الفكر الجميل لدى الكاتبة الدكتورة بلقيس ، لكنها تقول ان تعليمات رئاسة الوزراء هي التي تتطلب منا التنفيذ بالنظر في فحوى اي كتاب ، وتقول ” لقد حجبنا الكتاب بحكم فتوى دائرة الافتاء العام .
استغراب ورفض شديدين
يتحدث كتاب ” ارادة الكتابة ” في 344 صفحة حول مقاصد الكاتب و ارادته في شتى طقوس الكتابة ، ليس هذا فحسب بل تتوغل الفكرة لدى الكركي في تحريض القلم على ان يكتب فكرا ثقيل العيار مستندا الى الفلسفة العميقة و الثقافة الحكيمة لدى الكاتب .. اذا في غاية الأدب والثقافة يوجز ابراهيم علي وهو طالب في الجامعة الاردنية عندما قال انه نسخ الكتاب عن موقع 4shared عبر شبكة الانترنت ، لكنه يستغرب وبشدة حول ماهية العلاقة بين دائرة الافتاء العام ودائرة المطبوعات والنشر ، يقول ابراهيم ، كلنا نعرف ان الافتاء يختص بفتوى شرعية او دينية على وجه التحديد ، واذا رافقنا كل جملة بمعناها الحرفي فهذا لن يفتح مجالا لحدود العقل العربي خاصة في البحث والدراسة و اثراء العقل لدى القراء في تعزيز قدراتهم على الجرأة في كل ما يفكرون به حتى يصلوا الى الحقيقة.
الافتاء العام ومنتجات الثقافة والجدران
ويقول مدير العلاقات العامة والتعاون الدولي حسان ابو عرقوب في دائرة الافتاء العام ، انه يصلنا الكثير من المنتجات مثل ” سيراميك الجدران ، الملابس ، الابواط الرياضية ، وليس الكتب وحدها ” .. اما عن الافتاء بكتاب ادبي او فكري ، فما تبعثه المطبوعات نقوم بالفتوى فيه خاصة الجانب الديني ولفظ الجلالة ” الله ” ، لكننا لا نجبر جهة ما بالتدخل في كل كتاب الا ان النص الديني على الغالب نحرمه او نفتي به ان كان يسيء الى لفظ الجلالة.
كلمات في غيابة الجب
4000 الاف كتاب ومؤلف يقول صحافيون انها حظرت في الأردن مشيرين أن من بينها رسالة مفاخرة الغلمان للجاحظ وتتاح هذه الكتب فقط لدراسات للباحثين في الجامعات وفي مؤسسات التعليم العالي والمكتبات الكبيرة فقط.
الجهل الممأسس والسلطة الخائفة
هذا العنوان الفرعي هو العنوان ذاته الذي حمل اسم مقالة نشرتها الدكتورة بلقيس في صحيفة القدس العربي قبل أيام ، رافضة التعليق على قضية إحالة كتابها من قبل المطبوعات والنشر ، قائلة ” انا لا ابحث عن شهرة او نجومية من وراء الحجب ، ولا ارجو مهاجمة الدائرة ، اصبحت بيننا صداقات حميمية خصوصا مع فاتن الحياري ” ..
لكنها نشرت في مقالتها ما ترى انه سبب الضعف والتراجع الشديد للجهل الممأسس على يد السلطة ، بيد ان السلطة هنا ليست كلمة يراد بها المعنى السطحي للنظام الحاكم او القانون المتبع للحجب ، انما هي السلطة بالمعنى الفكري العميق ..
( سلطة الدين ايضا منسدلة من السلطة السياسية ) .. هذا ما اختصر به الكاتب الدكتور عامر السبايلة
هوة بين تحليل المضمون و التقويم الحرفي
الصحافي العتيق رسمي ابو علي ، أشار إلى ضرورة الرجوع إلى بسط سجادة الفكر والوعي قبل أن يلجأ المسؤول إلى إتباع التفسير الحرفي للمضمون
في حين يرى رئيس مركز حرية وحماية الصحفيين نضال منصور ، أن أي قانون أو إجراء يعيق حرية التعبير يتناقض مع الدستور الاردني ، وقال: ” إننا نرفض ولا نوافق على أي معوّق لحرية التعبير او النشر ” ..
المادة38 من قانون المطبوعات والنشر في الاردن
تنص المادة 38 في قانون المطبوعات والنشر على ما يلي :
يحظر نشر أي مما يلي:-
أ- ما يشتمل على تحقير او قدح او ذم احدى الديانات المكفولة حريتها بالدستور ، او الاساءة اليها.
ب- ما يشتمل على التعرض او الاساءة لارباب الشرائع من الانبياء بالكتابة ، او بالرسم ،او بالصورة ، او بالرمز او بأي وسيلة اخرى .
ج- ما يشكل اهانة الشعور او المعتقد الديني ، او اثارة النعرات المذهبية ، او العنصرية .
د- ما يشتمل على ذم او قدح او تحقير للافراد او يمس حرياتهم الشخصية او ما يتضمن معلومات او اشاعات كاذبة بحقهم.
هنا تحديدا تقول الكركي: ” انا لا اقصد الاساءة ولا اعترف بطرح كتابي بقصد الاساءة ، هنا نحتاج فقط للوعي الفكري قبل وعي الثقافة اصلا ، اما عن المراد ايصاله للقارئ في جملة ” الله ليس روائيا جيدا ” .. تقول الكركي : ليس المراد هنا الاساءة لله ، بل هو تعبير مجازي ويجب على القارئ ان يقرأ ما قبل وما بعد هذا المضمون ، ليتضح له فيما بعد انه كتاب يقدم للقارئ الاردني والعربي ، كيف تكون الارادة الحقيقية للكتابة كما هو عنوان الكتاب ؟!
يقول رسمي ابو علي بعد مراقبة اجازة الكتب تبين انها ليست مسألة مزاجية لموظفي دائرة المطبوعات ولكنها مسألة خاضعة لشيء يشبه ورقة اليانصيب حسب توجيهات تأتي وتغادر مربع القرار الموجه الى الدائرة اليانصيب .. كثيرا ما منعوا كتبا وعادوا لاجازتها .. وكثيرا ما منع من الكتب وهي لا تنال ظلم هذا المنع من الاصل.
ترويكا و حقوق الانسان في الاردن
ارسلت لجنة ترويكا لحقوق الانسان اثنتي عشرة توصية للاردن حول تطبيقها لحقوق الانسان في البلاد ، و كان من المتوقع تعديل قانون المطبوعات والنشر وعدم تقييد بعض الحريات وعدم التمترس فوق عقلية الكاتب وتحويلها الى عقلية الرقيب الداخلي حسب مراقبين.