ممدوح عبدالستار يرى أن الثقافة المصرية لا تقوم بدور فاعل في مواجهة الإرهاب

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

محمد الحمامصي

 

 

عالم الريف المصري في دلتا مصر، عالم خصب وثري ومتنوع، يملك تراثا هائلا من العادات والتقاليد والتاريخ الشفاهي، تفاعل مع أحداث ووقائع ما يجري في الساحة السياسية المصرية.

 

وفي روايته الصادرة أخيرا يرصد القاص والروائي ممدوح عبدالستار جانبا مهما من هذا العالم قبيل سقوط الحكم الملكي وتولي الضباط الأحرار السيطرة على البلاد ثم تولي الرئيس جمال عبدالناصر وانتهاء بنكسة 1967 وذلك من خلال أسرة ريفية بسيطة في قرية “الدلجمون” حيث نعيش تاريخ مصر في فترة مهمة من التقلبات والاختلافات والتي تتجلى في صراع الأب والابن، فالأب ينتمي إلى الفترة الملكية ويدافع عنها والابن ابن الثورة الذي يؤيد يوليو/تموز 1952 ويدافع عنها.

 

حول الرواية كان لنا حوار مع ممدوح عبدالستار الذي تحفل مسيرته بالأعمال المتميزة قصة ورواية، من أعماله: السمان يستريح في النهر، مقامات التفرد والأحوال، السامري، ظلال.

 

حصل عبدالستار على عدة جوائز منها: جائزة إحسان عبدالقدوس في الرواية، وجائزة سعاد الصباح في القصة القصيرة، والرواية، بالإضافة إلى جائزة مجله دبي الثقافية، وأخبار الأدب، ونادي القصة بالقاهرة.

 

البداية كانت ما يطلق عليه للتاريخ الشفاهي الذي تؤرخ من خلاله الرواية لما جرى ما بين سقوط الملكية ومرورا بالثورة وتحول الحكم إلى الحكم الجمهوري وانتهاء بنكسة 1967 حيث يرى ممدوح عبدالستار أن “التاريخ الشفهي هو التاريخ الذي يكتبه الناس، ويتعاملون معه سلوكياً، في المعاملات والعلاقات الشخصية بينهم وبين السلطة، هذا التاريخ غير مزيف لأنه ببساطة: تحويل القرارات الفوقية إلي سلوكيات يومية، هذا ما يصنعه الرجل العادي في كل أحواله، أما التاريخ المكتوب هو ما تريده السلطة، وتحاول أن تزرعه في عقول الناس، وتحاول أن تجعله سلوكاً عاماً، التاريخ الشفاهي هو التاريخ الحق للشعوب التي تكتوي بنار حكامها، وسلطتها الغاشمة، وهو الكاشف لزيف التاريخ المكتوب”.

 

ويؤكد عبدالستار أن توقف الرواية عند نكسة 1967 مقصودا لمراجعة الفترة التاريخية السابقة، والتوقف عندها يجعلنا ندرك أننا في لحظة فارقة، بين الوهم والزيف التى صنعته السلطة، وهذه الأحلام التي كنا نتغنى بها، إن التوقف جعلنا ندرك الواقع، والألم بين ما كنا نتغنى به وبين الألم الذي يعتصرنا من تصديقنا للوهم والزيف”.

 

ويضيف “كانت القرية المصرية هي التي تدفع الثمن غالياً جدا، في كل مناحي الحياة، وظهور المجتمع القديم مرة أخرى المؤمن بالملكية، من خلال استغلاله لمناصبه، وعدم التقيد بالقوانين أو الحفاظ على تماسك المجتمع وتلبية مطالبه اليومية، وظهر الصراع بين فكرتين مختلفتين، المؤمن بالملكية، والمؤمن بالجمهورية.

 

هذا الواقع الحقيقي حدث فعلاً في القرية المصرية، لكنني أضفت مشروعي الفكري ورؤيتي ومشاهداتي، والتاريخ المختلف عليه، حتى من المؤمنين بفكرة الجمهورية”.

 

يلفت عبدالستار إلى أن مفهوم الثورة لديه هو استبدال نظام بنظام آخر، وبمفهوم آخر، وبالتالي تتغير الحياة إلى شكل مختلف، ويتبعها قوانين مختلفة تُصلح ما أفسده النظام السابق، ويقول “إذا آمنا بالاختلاف والتعددية يصبح الاختلاف نعمة على المجتمع، لكننا حتى هذه اللحظة، رغم الاختلافات الواضحة بين 25 يناير وبين 30 يونيو، إلا أننا لم نصل حتى الآن لتقبل فكرة الاختلاف والتعددية، بسبب تربيتنا الدينية، وطبيعة التفكير الديني في كل مذهب، فالشيعي لا يقبل السني، والسني لا يقبل الشيعي، والسني والشيعي لا يقبلان المتصوف، كما يحدث أيضاً في فرق مذاهب المتصوفة، الكل متعصب لما تربي عليه، ويرى الآخر علي باطل، والتربية الدينية قائمة علي الأحادية في التفكير، وعلى التلقين، كما يحدث في التعليم، وفي كل مناحي الحياة، وهذا ما ظهر جلياً في 25 يناير، و30 يونيو، الكل متعصب لما يعتنقه، ويؤمن به. والعلاقة بين الأجيال علاقة نفي، وانفصال، ولا يوجد وسيلة حتى الآن بالتواصل البناء، وهذا ما توضحه الرواية بوضوح من خلال الأب والابن، الأب الذي يؤمن بالملكية، والابن الذي يؤمن بالثورة.

 

وحول دلالة عنوان الرواية “أوراق ميت” بنهاية الرواية بنكسة يونيو 1967 يشير عبدالستار إلى أن عنوان الرواية: أوراق ميت له دلالة هامة، فكلمة أوراق هو الورق المبعثر في الشخصيات الحية التي عاصرت تلك الفترة الزمنية، شخصيات ميتة، وشخصيات حية، وكلمة الموت: تعني التوقف عن العمل في الواقع وتغييره، وتوقف الرواية عند النكسة هو موت الحلم السابق، وانكشاف الذات المتضخمة في لحظة الموت (النكسة) من خلال الاشتباك مع حياة العسكرية، والتركيز عليها، من خلال تطوع صحبي – الابن المؤمن بالثورة – بالجيش، وتلك الممارسات والأوضاع الشاذة، التي يعريها، ويواجه صبحي فساد المنظومة التي أدت إلى النكسة، ومن خلال تجربته بالسجن الحربي”.

 

أما عن علاقة الرواية الشفاهية بالسرد وطبيعة هذا السرد فيرى عبدالستار أن الرواية الشفاهية تسكن تفكير وسلوك شخصيات الرواية، وهى لا تخالف طبيعتها، حتى في لحظات الموت أو الانكسار، وكانت تعبر عن العام والخاص في آن واحد، وهذا ما جعل السرد حالة خاصة، كوثيقة تاريخية شفاهية ، لحالة الوطن في تلك الفترة.

 

ويؤكد عبدالستار أن الحياة الثقافية في مصر كما هي قديماً، لم يصلها فكر الثورة والتغيير، بسبب النخبة، التي تحرص علي مصالحها الخاصة جداً، ولا تحرص علي مصلحة الوطن والثقافة، والتغيير آتٍ رغماً عنهم، لأن الثورة تنتج أفكارها بعد فترة وجيزة.

 

ويقول “الثقافة المصرية لا تقوم بدور فاعل في مواجهة الإرهاب، لأن البيئة حاضنة لفكرة التعصب الذي ينتج الإرهاب، والثقافة ليست هي نشر الكتب، لكنها في كل مناحي الحياة، في المسجد، وفي الكنيسة، وفي المدرسة، وفي البيت، لا بد من البعد عن التلقين، وخلق روح الإبداع والقراءة، لنخلق مجتمعاً يقبل الاختلاف، ويؤمن به، ساعتها فقط، أقول لك: لا يوجد إرهاب”.

المصدر: ميدل ايست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى