منجاةُ الحبّ ، مكيدةُ الشِعر.. للكاتب إبراهيم جابر إبراهيم

الجسرة الثقافية الإلكترونية –خاص-
لماذا يجب أن يعيش الحُبّ. رغم أنَّ كلَّ ما قيلَ عند العربِ من شِعرٍ ساحرٍ كانَ في مديحِ حُبٍ مُتوعِّكٍ أو حبٍ انتهى. فلا يصلحُ شأنُ الشعرِ في حبٍ هانىءٍ .. كما هو لا يصلحُ في أي شأنٍ سعيد.
فالشعرُ، الخالصُ، والمُصفَّى، هو تلك المرارةُ الحادَّة الطعمِ في الكلام، تلك الحرقةُ التي ترشحُ من الكتابة، الكتابة التي حين نقرأها كأنَّما نُمسكُ بسكّينٍ، وكذلكَ حين نكتبُها.
الشعرُ هو ذلكَ السطر الذي كان يوشكُ الشاعرُ لو نجحَ في قصيدته أن يكتبه، لكنَّهُ انتهى منها قبل ذلك، وهو ما يحسُّهُ القارىءُ ناقصاً من القصيدة لكنَّهُ لا يعرفُه، لكنَّ القصيدة تشيرُ إليه باستماتةٍ مثل أبكم يوشكُ أن يخبرَ عن حادثةِ قَتل.
والحبُّ، ما كنَّا نوشكُ دائماً على بلوغِه، لو أنَّنا بقينا في تلك الذروة الفاتنة لواحِدَينْ يتعانقان .. مثل خَشبَتَيْ “ملقط الغسيل” المَشدودتين بإبزيمٍ من الحديد.
الشِعرُ ، هو المحذوفُ ، والناقصُ ، والسطرُ الأخيرُ من الرواية الذي أغفله الراوي، وكلُّ ذلك الذي لو تروَّى الكاتب لبلَغه، وكتبه ، ( وحينها لن يعود شعراً، ومن جديد سيصير الشعرُ ما أومأ اليه الكاتب ولو تروَّى لبلَغَه ، .. الخ ! ) . وكذا الحبُّ هو كل ما كنا نخطَّطُ له، لكنَّه لم يحدث. وعلَينا أن نكون أذكياء بما يكفي كي لا يحدُث.
هنا، في هذا الالتباس، يقعُ الحبُّ ، ويقعُ الشِعر، على مسافة خطوةٍ من النجاة، درجةٍ أخيرةٍ من الخلاص، قفزةٍ غير محسوبةٍ من النهر، .. لأنَّ الحبَّ ، وكذا الشِعر، مثل غزالٍ نافرٍ تقتلهُ الطمأنينةُ. وتقتلهُ كذلك نظرتهُ الأخيرة إن تلفَّتَ يبحثُ عنها.
على الشعرِ أن يكون حليف الخسارة ليظفر بـ “البلاغة”، وعلى الحبِّ أن يكون مُهدَّدَاً مثل بيتٍ على حافَّة البحر .. وأن لا يظفر بشيء.
” البهجة الغامرة ” هي تلك التي تحدثُ حين نرى البهجةَ قبل الحصول عليها؛ بخطوةٍ واحدة، وليست “ساعة البهجة” ذاتها.
أنا لم أسمع قبل الآن، أن أحداً، ممّن أعرفهم على الأقلّ ، تعلَّقَ بـ ” قشَّة ” ، لكنَّ كل الغرقى يُطوِّحون دائماً بأكفِّهم في الماء ، في النَفَس الأخير ، باحثين عنها.
تلك هي منجاةُ الحبّ ، ومكيدةُ الشِعر، في الرهان على أنَّ ثمَّة ” قشَّة ” ، ولا شأنَ للعاشق أو للشاعر بـ “السلامة” !
لماذا عليهِ أن يعيش الحبُّ إذاً .
وهو ليس وسيماً مثل اؤلئك الذين قُتلوا في طريق العودة للبيت وحظوا بصورٍ ملوَّنةٍ في إطاراتٍ أنيقة.
وحظوا بالشِعر أيضاً.
..
لا أحدَ سينكرُ البَرْقَ بعد شتاءٍ غزير .حتى اؤلئك الذين تبلَّلوا تماماً . لا أحدَ سينكرُ البَرق على كلِّ الأحوال !
البرق الذي أطفأهُ الماء . وحذفَهُ من سيرة الشتاء .
البرق الذي كان للتوّ سيحرقُ العالَم ، .. لو لم يتحوَّل إلى شِعرٍ مُفرط !