منح الصلح المفكر العروبي المستقبلي.. أضاء بالنكتة عتمات وطن

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-
رحل المفكر الحر، الوطني العروبي، التقدمي النهضوي، الذي علّمنا كيف تتقاطع الخطوط البعيدة، وتتلاقى الأفكار المتناقضة. رحل منح الصلح فنقص فضاء المدينة كثيراً. وتحول الكبير، الذي يحسب له الجميع ألف حساب، إلى ذاكرة تختلط فيها الأفكار الجادة العميقة، التي تساهم في صنع المستقبل، مع الظرف والطرافة والتندر والضحكة التي حفظها مثقفو البلد عن ظهر قلب.
لا نستطيع أن نشيّع منح بك بحزن كبير، وقد عودنا أن نضحك. بل جعل للضحك قانوناً خاصاً، فلا ضحك بالمجان، ولا نكتة خفيفة عنده، إنما عليك أن تتوقع أن النميمة رأي كامل أو موقف بحدوده الأربع. وأنه يختصر بتلك القهقهة، أو بتلك الطرفة البليغة لحظة سياسية، فتنتشر ابتكاراته في المقاهي مثل نار في الهشيم.
رحل من يعرف كيف يختصر لك أفكاراً ومعارف بكلام قليل، مهندس المصطلحات والمواقف، حافظ أسرار المدينة وفاضحها، الناقد اللاسع الذي تتمنى أن تكون هدفاً لدبابيسه حتى يرن اسمك في محافله.
رحل الوطني الذي عرف كيف يغرد بعيداً عـن الطائفـية والمذهبـية والفـئوية، الذي رأى فــي العروبـة هدفـاً وعـلاجـاً لأمـراض المجـتمـع المتفـشـية. الرجـل المحـنّك الــذكـي العميق، الذي يعرف كيف يشيد جسـوراً بيـن شرقيـة الوطـن وغـربـيته، بين المتخاصمين والمتنابذين، بينه وبين المختلفين معه. وإذا شعر بتناقض داخله مد جسوراً في داخله. المرن الحر، يعرف متى يكون معك ومتى يقف ضدك، متى يضع الشك ومتى يمسحه.
منح بك الجليس الأنيس الذي يفيدك أكثر من كتاب، يختزل التاريخ والسجالات والمراحل بلمح الكلام. كأنما لم يكن لديه وقت للتوسع والشرح… تلك هي نظريته في حمل المعرفة وتلقيح العقول. المثقف الزعيم، المحبوب المتواضع، رئيس أي جلسة، الجاذب الذي من شأنه أن يرمي قلقه عليك ويمشي، أو يرمي عليك سحره فتستسلم مصغياً ومتنبّهاً، لتعرف كيف تنقل حرفية ما قاله على ملأ آخر.
نحن في هذه الصفحة أهل عزاء برحيله، وقد استقبلنا هنا كلمات أصدقاء له ومقربين، يضيئون بعضاً من حياة طالما أضاءت عتمات وطن!