من مذكرات شاعر عربي يقيم في ستوكهولم / ناظم السعدي ( شاعر عراقي يقيم في السويد )

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –
حوار الوجع العراقي
في حياتنا في الغربه تمر مشاهد مختلفه بينها المؤلم والسعيد والغريب والجميل
لكن ما حصل معي في احد الصباحات بقى في ذاكرتي ليس لمرارته وحسب بل لانه ايقظ بي وجع العراق الذي اسكنه بعقاقير النسيان او التغابي احيانا ….
كان ذلك اثناء اقامة فعاليات بطولة غوته لفرق الناشئين والاشبال هنا في مدينة غوتبورغ السويديه حيث مثل العراق فيها 3 فرق باعمار متفاوته وهذا التجمع السنوي لاينظر فيه للجوائز والكؤوس بقدر انه تجمع للمحبه بين الشعوب ودول العالم لذلك تجد فيه كرنفالات جميله ورائعه تسهم في تعارف هولاء الفتيه ببعضهم وغرس مفاهيم التسامح والمحبه بينهم لذلك كنا ننتظر مشاركة الفرق العراقيه بفارغ الصبر وقد قام الاخوة العراقيين هنا بكل ما يمكنهم لضيافة وتشجيع فرقنا وكانت الامور تسير على مايرام من حيث النتائج وتالق لاعبينا لحد المبارة شبه النهائيه التي جمعت احد فرقنا وفريق سويدي لاعمار 13 او 15 سنه لا اتذكر بالتحديد .. وفيها كانت الطامه الكبرى التي مسحت كل حسنات المشاركه العراقيه من خلال التصرف الغريب لجمهورنا وبعض لاعبينا بعد تسجيل الفريق السويدي لهدفه واعتراض لاعبينا الصغار عليه وتطور الموقف الى مشاجرة بين لاعبينا واللاعبين السويديين والذي للاسف اظهره التلفزيون السويدي وكل وسائل الاعلام من صحف ومجلات واعادته اكثر من مرة مما وضعنا في موقف محرج امام السويديين من جيران واصدقاء وهذا ما حصل معي في الباص صباح اليوم التالي
حيث كنت متوجها الى مدرسة اللغه وفي الباص رايت سيده عجوز تقف بجواري لعدم وجود مكان شاغر لجلوسها فوقفت وقلت لها تفضلي بالجلوس في مكاني وبصراحه هذه ظاهرة غير مالوفه في المجتمع السويدي كما بعض الاشياء او التقاليد العربيه الجميله التي نحتفظ بها مثل مساعدة الجيران او حمل شيء ثقيل معهم وغيرها من الامور الطبيعيه بمجتمعنا النقي خصوصا قبل الطوفان الاخير الذي حول الكثير من شعبنا الى اخوة اعداء من حيث لا يعلمون .. المهم انها شكرتي بابتسامه طيبه وسالتني انه تصرف طيب منك شكرا لك قلت لها لا شيء لانها عاداتنا وتقاليدنا فسالتني ثانيه من اين انت قلت لها من العراق … وهنا شعرت يتغير ملامح وجها نحو العبوس واردفت … لماذا تضربون اللاعبين الصغار بهذه القسوة.. هل رايت ماحدث امس في يتوبوري .. المصيبه ان كل الباص كان يصغي لها لان صوتها مرتفع كما يفعل معظم كبار السن حيث يظن ان الجميع مثله لا يسمع جيدا فيرفع صوته .. نظرت اليها مستجمعا كل مفرداتي السويديه البائسه محاولا ايجاد رد مناسب ينقذني من هذا المازق الكبير ..
نظرت اليها وقلت لها معذرة لان لغتي ركيكه نوعا ما لذلك استمحيك العذر بالاصغاء لي لاني ساتحدث ببطء لغرض التفكير بايجاد المفرده الملائمه
ردت بايمائه من راسها..
قلت لها هل تعتقدي ان هولاء الصبيه اشرار بالفطرة .. هل تؤمني ان كل اطفال العراق اشرار بالتاكيد لا.. لان هناك فريقان اخريين يشاركون الان وهم بمنتهى الوداعه والانسجام مع الاخرين فاجابت وماهو تفسيرك اذن لما حصل ؟؟
قلت لها سيدتي كم سنة مرت على السويد وهي تعيش بمناى عن الحروب والمشاكل؟؟
قالت منذ زمن بعيد ربما مائتي سنه نحن لم نشترك بحرب ولا مشكله مع احد
قلت لها هل تعرفي خلال هذه المده كم حرب مرت علينا وكم انقلاب دموي وكم ثورة بيضاء وخضراء وحمراء هل تعرفي كم سفح من دم عراقي وكم من دمار حدث في البنيه التحتيه للمجتمع العراقي خلالها واسترسلت بشرح تاثير الحروب وفقدان اولياء امور هولاء الصبيه وتوجهات الدوله للحروب وماسيها واهمال هولاء الصبيه الذين زرعت في نفوسهم ثقافة الحرب والانتصار بالقوة بعيدا عن ارادتهم .. وبهذا مسخت عفويتهم وطيبتهم بلا اي شعور ولا رحمه … ليس لهولاء الذنب سيدتي فهم ابرياء كما اطفالكم الرائعين الذين نجد فيهم ايضا من يتمرد على النظام الاجتماعي رغم كل وسائل الحمايه والرعايه والبيئه والظروف الملائمه للحياة لديكم… وقالت نعم في كلامك الكثير من الصحه لان لدينا اطفال يكسرون اماكن وقوف الباصات الزجاجيه ويكتبون على الجدران ويعبثون ايضا قلت لها وانتم في السويد التي لم تشهد اي حرب ولا دمار للانسان فكيف بهولاء المساكين ؟؟؟
قالت لي والان انتم بلد ديقراطي وعليكم ان تبنوا الاجيال بروح جديده حينها لزمت الصمت ولم اجيب على كلامها . هو المنطق الذي يفترض ان يسود لكن والف لكن .. لاني تذكرت ان علينا اولا .. ان ننظف البلد من السراق والمتاجرين بقوت الشعب والارهابيين والمليشيات والقتله الذين يتواجدون بكثرة حتى بين اصحاب القرار في البلد للاسف ونوفر كهرباء وحياة كريمه لمن يذل يوميا من ابناء الشعب علينا ان نوفر الخبز المقترن بالكرامه لهولاء الصبيه المنتشرين في شوارع الموت اليومي بحثا عن رغيف الخبز المنقوع بالدم وبعد ان نعيدهم لمساكن النقاء ويحلمون بالامان الحقيقي يمكن لنا ان نؤسس حينها لثقافة الطفل والشاب مستفيدين من تجارب الاخرين من دول العالم المتحضرة واحمد الله ان الباص وصل الى المحطه قبل ان يرى جميع الركاب دموعي التي لم اقوى على منعها حسرة على وطني وابنائه ومستقبل الاجيال الضائعه في وطن ضاع دمه بين القبائل