مهرجانات بعلبك بين حرية التعبير وأخطار الطريق

الجسرة الثقافية الالكترونية
*جاد الحاج
مهرجانات بعلبك اللبنانية تظاهرة عريقة أدركت مفترقات كثيرة من قبل على وقع الحروب والقلاقل التي ما انفكت تعصف بلبنان ومحيطه، لكنها والحق يقال، لم تخسر الكثير من جاذبيتها ولا فترت همة لجنتها النشيطة. إلا أن الظروف الراهنة تلقي بظل ثقيل على التظاهرة هذه السنة، فليست حرب سورية وتبعاتها اللبنانية وحدها المؤثرة في مناخ منطقة بعلبك – الهرمل نفسياً واجتماعياً وإنسانياً، بل وجود حال عميقة من القلق الجدي على المصير لدى أهالي المنطقة. وحين نقيم مقارنة بين ما يعيشه الناس في البقاع ومضمون البرنامج الفني لمهرجانات 2015، نشعر بنوع من الغربة، أو لعله ذلك الانفصام الشهير في الشخصية اللبنانية، حيث لا تؤثر جراح زيد على مشاعر عمرو، ولا يؤثر حزن جار على لعلعة مكبرات الصوت عند جاره، بل كأن «يصطفلوا» هي الجامع المشترك الوحيد بين أبناء الشعب الواحد!
صحيح أن الاستمرار في العيش الطبيعي وممارسة حق الترفيه والتسلية والمضي في مسيرة التنوُّع الفني والإبداعي كلها منوطة بتقديس حرية التعبير، وأحياناً يمكن اعتبارها دليلاً على متانة الأعصاب في مقاومة سلبيات الأزمنة الرديئة، ففي الحروب الكبرى استمرّ مؤلفو الموسيقى في التأليف، والشعراء والروائيون والمسرحيون لم يتوقفوا عن العطاء، علماً أن تأثّرهم بمجريات الأمور ليس بالضرورة انعكاساً مباشراً لوقع الكوارث على مجتمعاتهم، لأن الفن ليس إعلاماً ولا دعاية أو مجرد رد فعل، فإذا حاد عن كونه إبداعاً في الدرجة الأولى سقط وتبدد.
مع ذلك، الناس تتساءل: هل الطرق آمنة إلى بعلبك؟ ألا يحدث خطف و «تشليح» في البقاع؟ ألم يُخطف أطفال وعجائز على تلك الدروب المظلمة؟ وماذا عن انتشار السلاح في أيدي المتخاصمين قبلياً ومذهبياً…؟
لكن مهلاً، فالمبالغات لا تنتهي، وفي أحوال أسوأ مما نحن فيه اليوم تمكّن المهرجان من تنفيذ برنامجه من دون خسائر تُذكر. هل نَدَعُ موجة الظلمة تقوى على إرادة الحياة؟
في المؤتمر الصحافي الممهِّد لتظاهرة 2015، أكدت نايلة دو فريج، رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك، أن التفاهمات الأمنية عُقدت مع كل من يهمه الأمر، ما يعني أن الدوريات العينية والخفيّة تسيطر على الطرق المؤدية الى بعلبك من كل الجهات، فلا خوف من هذه الناحية.
يبقى السؤال الأكثر إحراجاً: ماذا في برنامج السنة مما يحرّضنا على تحدّي الأخطار؟ لا شك في أن اللجنة بذلت جهوداً ملموسة للتجاوب مع الأذواق المختلفة بأقل ما يمكن من المجازفة المادية، وذلك مشروع ومفهوم في ظل الأوضاع الراهنة. إلا أن الحكم على نوعية البرنامج وقيمة محتوياته لا يكون إلا بعد المشاهدة. السنة الفائتة انتقدت «الحياة» فوضى الدخول الى القلعة، حيث طرأ مشهد يُعتبر سابقة في تاريخ المهرجان، إذ ازدحمت المداخل بسيارات الرسميين والسياسيين ودفع الجمهور الثمن زحمة وتزاحماً، فلعلّ ترتيبات السنة تجاوزت ذلك الإخفاق المعيب… وإنَّ غداً لناظره قريب
المصدر: الحياة