مهرجانان يحملان اسماً واحداً.. الفرق في اللغة فقط

الجسرة الثقافية الالكترونية
نديم جرجورة
مهرجان سينمائي جديد في العاصمة البلجيكية، «هو نفسه» مهرجان سينمائي قديم في المدينة نفسها. المسألة ليست خيالاً أو «فانتازيا». الإعلان عن تأسيس مهرجان جديد يُثير سخرية لدى البعض، فتلجأ الصحيفة اليومية البلجيكية «لو سوار» إلى نوع من النكتة، إذ تكتب فابيان برادفير (27 تشرين الأول 2015) متوجّهة إلى قرّائها: «تخيّلوا أن مهرجان «كانّ» يُعقد في أيار، وبعد مرور أشهر قليلة، يُعقد مهرجان «كانّ».. هذا أمر سخيف». ثم تختصر المسألة كلّها بقولها إن «بروكسل تواجه هذا النوع من السخافة المتعلّقة بالمصطلحات».
غموض
قبل أيام قليلة، يُعلَن عن تأسيس «المهرجان الدولي للفيلم في بروكسل»، وعن تنظيمه دورة أولى بين 17 و21 تشرين الثاني 2015. يُعلّق نقّاد ومعنيون بالهمّ السينمائي على ذلك بإحالتهم الاسم إلى مهرجان أقدم يُقام في المدينة نفسها أيضاً: «مهرجان بروكسل السينمائيّ». يتساءلون عن الفرق ليس فقط على مستوى الاسم، بل بالنسبة إلى المضمون أيضاً. المهرجان الأقدم بات في دورته الـ 14، التي يُفترض بها أن تُقام بين 17 و24 حزيران 2016. مسؤولو المهرجان الجديد يردّدون أن رغبتهم لن تكون في تكرار الموجود، «لكن المُشاهد العادي يقع في غموض المفردات المستخدمة، المفتوحة على غموض الهدف والمعنى والتفاصيل الأخرى»، كما يرى البعض.
يُنقَل عن مسؤولي المهرجان الجديد قولهم إنهم يريدونه «أل» مهرجان الأساسي لسينما عامة تتعلّق بعاصمة أوروبا. «العامة» تعني، كما يؤكّدون، انفتاحاً على السينما البلجيكية والدولية، ضمن برنامج يحتوي على أفلام طويلة وقصيرة، وأفلام روائية ووثائقية، و «عروض ما قبل الأولى»، وضيوف وتكريمات. هذا حسنٌ. الغالبية الساحقة من المهرجانات المتنوّعة مرتكزة على هذا. في المؤتمر الصحافي المنعقد ظهر الأربعاء في 27 تشرين الأول 2015، ينكشف ما يُضيف شيئاً من السخرية على برنامج لن يخرج من تقليديته البحتة، ومن سطحية فاقعة تُذكّر بما يحصل في مهرجانات سينمائية تُقام في دول عربية، غالباً. أحد متابعي المؤتمر يعلّق قائلاً إن هناك 14 عضواً مُحكِّماً من أجل 6 أفلام طويلة و11 فيلماً قصيراً. فابيان برادفير تقول إن رئيس اللجنة «ممثل أميركي غير معترف به» يُدعى هولت ماك كالاّني (مواليد نيويورك، 3 أيلول 1964). عملياً، هو لا يملك حضوراً تمثيلياً لافتاً للانتباه، باستثناء أدوار سينمائية وتلفزيونية متنوّعة وعادية. أما باسكال ديو، رئيس المهرجان الجديد هذا، فيقول إنها «دورة أولى ممتدة على 5 أيام»، وإن «لدينا إمكانيات قليلة»، علماً أن حجز صالة سينمائية يوماً كاملاً «أمر مكلف للغاية».
إذاً: هناك من يريد تنظيم مهرجان سينمائي محلي ـ دولي بـ «إمكانيات قليلة»؟ لماذا؟ أي هدف «عميق» ومهم وغير «اعتياديّ» أو «مألوف» يُحرّك البعض دافعاً إياهم إلى تنظيم مهرجان، يتبيّن أن المسابقة الرسمية الخاصّة بدورته الأولى تتضمّن 6 أفلام من إيران والجزائر والفلبين واليابان والمغرب وفرنسا؟ لا أجوبة شافية، كالعادة.
مصطلحات وقوانين
بالعودة إلى مسألة المصطلحات، فإن مدير «المهرجان الدولي للفيلم في بروكسل» سالفاتوري ليوكاتا يقول «إن الآخرين (المهرجان القديم) يتواصلون عبر الإنكليزية، بينما نحن ملتزمون اللغة الفرنسية». يُضيف: «نحترم المهرجانات الأخرى، لكن هناك أمكنة للجميع». يؤكّد أن المسعى كامنٌ في «إشراك الناس جميعهم بأفلام مختارة من العالم برمّته». يعتبر أن «مهرجان بروكسل السينمائي» محدودٌ بـ «أفلام أوروبية» فقط. فابيان برادفر تُعلّق أمامه: «لكنكم اخترتم فرنسا كـ «بلد ضيف شرف» للدورة الأولى هذه»، فيردّ عليها قائلاً: «تواجه فرنسا أيضاً مشاكل متعلّقة بتوزيع أفلامها. نريد عرض الأفلام هذه أمام الجمهور. في العام المقبل، سيكون الأمر إكزوتيكياً أكثر، باختيارنا بلداً من آسيا كضيف شرف».
من جهته، يقول إيفان كوربيزييه، مدير «مهرجان بروكسل السينمائي» لنيكولا كروسّ («لو سوار»، 27 تشرين الأول 2015): «إنه أمر مؤسف أن يتمّ إطلاق مهرجان يحمل اسماً يقترب كثيراً من اسم مهرجان تاريخي في بروكسل، من دون أن تكون لديه أصالة واقعية». يرى أن هذا «يُضيف ارتباكاً لدى الجمهور بطريقة عقيمة». المعطيات الصحافية تفيد أن كوربيزييه يسعى، منذ أشهر عديدة ماضية، إلى «ردع» نظيره في المهرجان المنافس عن إقامة مهرجانه بالاسم نفسه وبالمنطق ذاته، لكن «من دون أي نجاح يُذكر».
لكن، ماذا عن الجانب القانوني في المسألة؟
آلان بيرنبووم (محام متخصّص بالشؤون الثقافية والفكرية) يقول إن هناك مواد في مجال المنافسة قابلة لأن تكون «غير مشروعة». هذه «المنافسة غير المشروعة» تعني وجود إساءة في الممارسة التجارية من مؤسّسة أو شركة إزاء مؤسّسة أو شركة أخرى: «مع هذا، يمكنها أن تمتد إلى مؤسّسات لا تبغي الربح التجاري، من اللحظة التي تمتلك فيها هذه المؤسّسات أدوات عمل أخرى، كمهرجان سينمائي يتمّ فيه بيع تذاكر دخول إلى الصالة». مقالة نيكولا كروس تشير إلى وجود منافسة «غير منصفة» يؤكّدها القانون، إذ إن هناك خلطاً بين الصُور والمنتوجات، خصوصاً عندما يكون هناك تقليدٌ في الاسم التجاري والـ «لوغو» والشعار «تُربك» (هذه كلّها) تفكير «الزبائن».
أياً يكن، فالبرنامج الخاصّ بالدورة الأولى للمهرجان الجديد بات معلناً، والترتيبات المتعلّقة بالدورة الـ 14 للمهرجان القديم تسير بشكل طبيعي، والمعنيون يتابعون وقائع الأيام المقبلة، وينتظرون إقامة الدورة الأولى هذه لمعرفة مساراتها ونتائجها.
المصدر: السفير