مهرجان المربد الشعري في البصرة: تكرار لأخطاء الماضي واحتلال السياسة للمشهد الثقافي العراقي

الجسرة الثقافية الالكترونية –

صفاء ذياب

لم يختلف مهرجان المربد الشعري هذا العام عن الأعوام السابقة، فقد كان الشعر مكدساً مثل بضائع في محل لبيع البضائع بالجملة، الجلسة الشعرية الواحدة كانت تضم أكثر من ثلاثين شاعرا، وفي بعضها تجاوز العدد الأربعين شاعراً، وهو ما دعا الكثير من الشعراء الى عدم المشاركة في القراءات، راغبين بالوقوف في الظل، على الرغم من الدعوات الكثيرة التي أطلقوها والاستفتاءات وإبداء الآراء، وطالبوا اللجنة المنظمة للمهرجان الإجابة عليها وإبداء الرأي، محاولين الخروج بشكل جديد للمهرجان.. لكن الأيام لا تدور!.

الافتتاح

حَفَلَ افتتاح المهرجان بكلمات كثيرة وطويلة نسبيا، لكن الأهم في هذه الكلمات كان لوكيل وزير الثقافة العراقية الدكتور طاهر الحمود، الذي أعلن أن الوزارة تسعى لاختيار مدينة البصرة (550 كم جنوب بغداد) عاصمة للثقافة العربية عام 2015، وأكد الحمود أن الوزارة سعت جاهدة وما زالت في مخاطبة اليونسكو واتحاد الأدباء العرب ومنظمات المجتمع المدني من أجل هذا الاختيار، مبيناً أن الوزارة أعدت ملفاً كاملاً لهذه الفعالية الكبيرة، كما أعدت ملف بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013.
وفي الوقت نفسه طالب الحمود الحكومة المحلية في محافظة البصرة البدء بخطوات جادة لإعادة البنى التحتية للمدينة، من خلال بناء المسارح والسينمات والقاعات التي تناسب الفعاليات التي ستقام فيها، فضلاً عن إعادة ترميم الفنادق المهملة، وتخصيص خمس قطع أراضٍ من أجل الشروع ببناء بيوت ثقافية في خمس مناطق في المحافظة، وهي: مركز المدينة، الفاو، الزبير، أبو الخصيب، والقرنة، مؤكدا أن التخصيصات المالية لهذه البيوت أقرت وبانتظار إقرار الموازنة المالية العامة في البلد للشروع بهذه المشاريع.
من جانبه أشار الناقد فاضل ثامر، رئيس اتحاد الأدباء العراقيين، إلى أن هذا المهرجان لا يحتفي بالشعر فقط، بل بالتنوع الثقافي، من خلال اختيار هذه الدورة باسم الشاعرة لميعة عباس عمارة، فهي أحد الرموز الثقافية الشهيرة، وتنتمي إلى مكون مهم وعزيز على قلوبنا وهو المكون الصابئي، وهذا دليل على اعتزازنا بجميع المكونات العراقية، هذه المكونات التي لن نفرط بها لأنها تشكل مجتمعنا الكامل.
وفي معرض حديثه عن الوضع العراقي الراهن، بيَّن ثامر أن شعبنا قادر في هذه اللحظة على أن يطرد كل الغزاة، إذا ما توحدنا بالكلمة والفعل لتعزيز وحدة شعبنا، وما نحتاجه اليوم هو فعل وطني موحد لطرد «داعش» من أرضنا، لا نستطيع أن نواجه الأعمال المتوحشة التي تقوم بها هذه الجماعات التكفيرية إلا بالسلام وخطاب غير طائفي.
الكلمات لم تتوقف عن هذا الحدِّ، بل تبعتها كلمات لرئيس اتحاد أدباء البصرة وممثل عن الأدباء العرب، وفيلم سينمائي بعنوان «نخلة الشعر الباسقة» للمخرج كاظم مرشد السلوم عن مدينة البصرة، إضافة إلى معرض للكتاب أقامته وزارة الثقافة شارك فيه دار الشؤون الثقافية ودار المأمون للترجمة والنشر. كما افتتح في اليوم الأول للمهرجان معرض فوتوغرافي للجمعية العراقية للتصوير، ومعرض للأعمال اليدوية أقامته تربية البصرة، ومعرض تشكيلي شارك فيه أكثر من عشرين فناناً.
أما القراءات الشعرية فقد كانت مثل كل عام، تزاحم الشعراء على المنصة، فقرأ أكثر من ثلاثين شاعراً في حفل الافتتاح.

آراء ومقترحات

كان الشاعر صلاح حسن يظن أن هناك تغييرات في هذه الدورة، حسبما قال لصحيفتنا، «لكن الواضح من الافتتاح أنه لا جديد، فالكلام نفسه الذي يقوله المسؤولون السياسيون ومسؤولو الحكومة المحلية والمشرفون على المهرجان نفسه، يبدو أننا ننفخ في قربة مثقوبة، نكتب بالصحافة ونتحدث بشكل شخصي مع الإخوة، ونقدم مقترحات، لكن لا شيء يتغير، يبدو أن الشعب العراقي نفسه بحاجة لانتفاضة ضد نفسه».
وأضاف حسن متحدثا عن الجو العام لمدينة البصرة، أنها على سبيل المثال، ما زالت مليئة بالنفايات، بل أكثر من العام الماضي، «أعتقد أن شعبنا أصبح شعبا غير عابئ بأي شيء»، وفي سؤالنا عما إذا كانت السياسة قد سيطرت على المشهد الثقافي في العراق، قال حسن إن السياسي التهم الثقافي ولم يبق منه سوى ظل بائس يستخدمه في افتتاح المهرجانات والمشاريع والاجتماعات الحزبية، لا وجود لأي ظل للمثقف في العراق، فهو الآن شخص شفاهي يتحدث فقط ولا يقدم أي شيء، ربما الوضع يزداد تراجعاً في كل سنة… فالآن في البصرة مهرجانان: جماعة المسرح المعاصر والمربد، في حين أن هناك عشرة أشهر مرت من السنة لم تقم فيها أي فعالية، إذا كان الثقافي بهذه الفوضى، فما بالك بالسياسي ورجال الدين الذين يمتلكون القوة ويفعلون أي شيء يريدونه، المثقف ضعيف ومجرد من كل الأسلحة حتى سلاح الكلمة».
وقد اقترح حسن في العام الماضي، حسبما صرح لنا، تقليل المشاركات الشعرية وان يتم اختيار الشعراء بدقة ويخصصون جلسة للشعراء الشباب، فنحن نريد أن نعرف إذا كان لدينا جيل جديد من الشعراء العراقيين.. لكن كل هذا لم يحدث، فهناك فوضى دائما، طالبنا بعدم تجاوز ستة أو سبعة شعراء في كل جلسة، لكننا شاهدنا أن كل جلسة تجاوز العدد فيها الثلاثين شاعرا وفي بعضها الأربعين شاعراً.. «أقولها بصراحة ان الشعراء أنفسهم لا يحترمون نصوصهم، فكيف يرضى شاعر أن يشارك مع خمسين شاعراً، لا أحد يسمعهم، فالجمهور في القاعات يضحك ويتكلم مع بعضه ولا يستمع لأي قصيدة».
من جانبه صرَّح الشاعر والمترجم نصير فليح بأن المربد بالنسبة له فرصة للتجمع وتغيير الأجواء واللقاء بالأصدقاء، لكن إذا كان الحديث عن مدى تعزيزه وإسناده للثقافة العراقية وللشعر، فـ»لا أعتقد أنه يلعب هذا الدور، فهو فعالية احتفالية ليس فيها طابع الإبداع، نحتاج مثلاً إلى أن تجلس لجان متخصصة لإبراز أصوات شعرية جديدة والتركيز عليها في هذا المهرجان، وبدلاً من أن يقرأ مئات الشعراء، يتم اختيار عدد محدود من القصائد المنتقاة فقط، والتركيز على أسماء معينة يتم تداولهم نقديا، بمعنى أننا بحاجة لتراكم نقدي وشعري يضيف للوسط الثقافي العراقي كل ما هو جديد، لكن الحقيقة أن كل هذا لا يحدث، بل يتنافس بعض الشعراء على مواقع قراءاتهم وتسلسلهم ضمن الجلسات التي تضم أكثر من أربعين شاعرا، ومن ثمَّ قد تطبع النصوص المشاركة في كتاب سيجد طريقه للرفوف كأي كتاب مهمل».
ويقترح فليح على اللجنة المنظمة للمهرجان بإجراءات حقيقية في المهرجان الشعري الأكبر عراقيا… على سبيل المثال أطلق على هذه الدورة اسم الشاعرة المعروفة لميعة عباس عمارة، لكن التساؤل المهم هو هل أن عمارة بحاجة لهذه التسمية من دون أن تعاد قراءتها نقدياً من خلال المناهج الجديدة، ومن ثمَّ لماذا لا يطلق أسماء شعراء جيدين لكنهم غير معروفين عربياً ويتسلط الضوء على تجاربهم؟
خيبة الأمل نفسها كانت لدى الشاعر والفنان التشكيلي مازن المعموري، الذي يشير إلى أننا كنا نأمل من هذا المربد؛ خصوصا أن هناك الكثير من الآراء والاستطلاعات التي تسلمناها قبل انطلاقه بأسابيع، تغيرا حقيقيا بالتنظيم الإداري للمهرجان، على مستوى السكن والفنادق والبروتوكولات الأخرى المصاحبة للمهرجان، لكننا وجدنا بيروقراطية واضحة في توزيع السكن، بدءا بالاهتمام بالشعراء الأجانب والعرب الذين وضعوا في مكان مختلف عن الأصوات الشعرية العراقية، هذه البيروقراطية الطبقية أساء كثيرا للأدباء العراقيين ما أدى لاعتراض البعض.
أما على مستوى الشعر والنقد الذي قدم في المهرجان، فيأسف المعموري على ما تم طرحه، «للأسف الشديد المشكلة فينا نحن، فما زلنا متمسكين بذات الصيغ الروتينية لفضاءات المهرجانات الشعرية، وسيبقى هذا الوضع ما دمنا لا نغير أنفسنا: كلمات مكررة، آمال مكررة، ابتسامات مكررة، وبالتالي سنفقد حقيقة هذا التجمع الذي نأمل أن نلتقي فيه كل سنة من أجل أن نكتشف أنفسنا من جديد، من أجل أن نقول كلمة حق في هذا الواقع السيئ، انها أسوأ مرحلة يمر فيها العراق تاريخيا.. أعتقد أننا نحتاج إلى فضاء من الحرية والمشاكسة أكثر من قبل».

القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى