مهرجان المونودراما في الكويت يراهن على العالمية

الجسرة الثقافية الالكترونية

*عبيدو باشا

المصدر: الحياة

 

قد تكون شرعية مهرجان المونودراما في الكويت تحققت، هذا العام، باحتوائه عروضاً محلية وعربية وأجنبية كثيرة، من الكويت والعراق والمغرب وسلطنة عمان وإيطاليا وليتوانيا. عرضان مسرحيان كل ليلة، على مدار أسبوع. هذا بحقّ عمل شاق ينمّ عن جهد فريق قاده المسرحي الكويتي جمال اللهو، بخبراته وموروثاته وتجاربه المسرحية.

لم تثق إدارة المهرجان بانبثاق موجة من الاستجابات الفورية، في الدورة الماضية. تغيرت الأمور اليوم، حين راح اللهو يستشير بعض ضيوفه في بعض عروض المهرجان الثالث كالمصرية سميحة أيوب، الأردني زهير اللوباني، العراقي سامي عبد الحميد، المغربي عبد الحق الزروالي وغيرهم. جمع اللهو الأزمنة عبر الشخصيات الضيفة، والأمكنة عبر بناء مفهومي. ولأنّ مهرجان مونودراما في الكويت هو حدث لا يستطيع أحد أن يضعه بين هلالين عارضين، لذا، أمنت له وزارة الإعلام والمجلس الوطني للثقافة حق اختيار تفاصيل العروض من دون إملاء شروط.

إنّ احد أهداف المهرجان الجوهرية هو التأسيس، بعيداً من المواقف المتشددة، أو المواقف البالغة التعقيد. فالمهرجان لم يُرد أن يُقحم نفسه في مباراة بين «ديوك» المونودراما. فهو مساحة مساواة، ترفع حاجة حضور المونودراما إلى حدها الأعلى. كلّ مشارك منخرط، هذه هي القاعدة السائدة هنا. هكذا، اصطفت الأعمال، ذات الحضور اللافت والأقل قوة بعضها إلى جانب بعض، في منأى عن الغموض والالتواء. التنظيم بلا فوضى، لأن المهرجان قام على المساواة والتضامن. ويصبح الأمر مفهوماً أكثر، مع تعداد أبرز الأعمال المشاركة: «قصة الأمس» للفنان الكويتي عبد العزيز الحداد، «الموسيقار شبيشي» لرابطة هيئة التدريب في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب في الكويت، «بارانويا» لجمعية الثقافة والفنون (الدمام- المملكة العربية السعودية)، «غربة» للمسرح الفني الحديث في العراق، مع سامي عبد الحميد والمخرج أحمد خنجر، «روبورطاش» للفنان المغربي عبد الحق الزروالي، «ريتشارد الثالث» لفرقة بيشيليا الإيطالية، «الفزاعة» من سلطنة عمان (جامعة السلطان قابوس)، وغيرها من المونودرامات. ولهذه الأعمال كلّها حضور عضوي. أبطالها، ليسوا أبطالاً عابرين، من مدن المسرح الحرة إلى المونودراما. بل إنهم قاموا بعمليات واسعة تشير إلى كل أشكال التفاوت الاجتماعي والسياسي في كل دولة عربية. التفاوت أمر أكيد بين مسرحيات المونودراما، لأن أحداً يعرف الطريق باتجاه نقطة المونودراما، والآخر لم يستولِ بعد على شروطها وسلطتها وتقنياتها. ذلك أن المونودراما فن حاضر في بلاد العرب، من دون تفكيك، قبل إعادة البناء.

اجتذب المهرجان أصحاب المبادرات والخيارات، إلى مساحته الحرة الديموقراطية، لأن مؤسسيه ومنظميه أصحاب رؤية ابداعية. هكذا توافقوا على أن توسيع مساحة مهرجانهم، سوف يؤدي إلى تراكم، يسمح بالرؤية أولاً، ومن ثم بالتطوير، عبر التراكم. ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى وضع تصوّر واضح، ومفصّل، لعمارة المونودراما، عبر المسيرة والعمل واستخدام الخيال، وليس من خلال الثبات على الأفكار البسيطة، الطالعة من مشاهدة درامات الآخرين وحدها.

تستقيم المعادلة، بوضع الأثر على الأثر. أثر على أثر، يعِّمر المهرجان حضور المونودراما، في بلد دخل عالم المسرح من عشرات السنين وفق شروط الآخرين. ثم، صوَّبها، بخروجها على الحالات الطارئة، إلى التجارب الخاصة. وجدوا أنفسهم، بالقوانين والأنظمة السائدة، أولاً. ثم، غادروها وهم يبحثون عن مستقبل المسرح في مستقبلهم. جاء المصريون، زكي طليمات على رأس هؤلاء، إلى الكويت بخطاباتهم الخاصة. لأن الكويتيين، في ذلك الوقت، افتقروا إلى الممارسة والخبرة. بعدها، توصل المسرحيون الكويتيون، إلى إيقاد نارهم الخاصة، في تجربة المسرح العامة.

تنصب جهود القيمين على مهرجان المونودراما، على تعزيز المونودراما، بأشكالها المغلقة أو القادرة على الصياغات الأخرى، بخطاب عقلاني. يقترح برنامج التأسيس والنهوض، التوافق على المبدعين المشاركين في المهرجان، على أنه يقدم المساحة المشتركة، مساحة لقاء. هنا، تدبر العروض والندوات والمناظرات واللقاءات، تصميماتها على نحو يضمن أن يوازن بين مصلحة المؤسسة الإبداعية (المهرجان) والمبدع (العربي والكويتي والعالمي). لن يطغي شيء على آخر. لأن العروض المستمرة تتيح تقويم العروض لذواتها وحدودها. واكتشاف المبدعين، التحولات الاستطرادية للمونودراما، من خلال التجريب، أمام الجمهور. تفكرٌ، ينخرط فيه الأنداد. المعيار الأساسي أعلى من معايير كثيرة سائدة، من دون أن تنحو إلى المنطق، والحقائق الإنسانية الملموسة. لا مسّ إذن، إنها المغامرة، حيث تقوم التنسيقات بين منظورات عدة، بين التقابلات والمطلقات. خلقٌ، بذكاء ناضج.

وفّر مهرجان المونودراما، بدورته الثانية، بالتعاون بين «مؤسسة الأيام والناس» والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ومؤسسه ومديره المسرحي جمال اللهو، منظومة دفاع عن هذا الفن الوليد، بترسيخ حضوره عبر التصميمات الخاصة. لم يكتفِ المسؤولون عن المهرجان بتقديم النموذج المطروح، بل تركوا لصناع الإبداع حرية أن يروا العالم الإبداعي بالالتقاء لا بالإقصاء. ومنح مؤسس المهرجان ومديره، جمال اللهو، المبدع كل الإجراءات اللازمة لكي يبدأ فصلاً آخر من تجربته عبر تكيّفها مع ظروفه الخاصة والظروف العامة. فما يُسمى بـ «المراكمة» هو تصفية الديناميات، بالطرق الخالية من كل عيب، صادرة عن حالات التأزم الثقافي، وبتأمين التواصل بين كل الحركات ذات القواعد الراسخة وذات القوى التجريبية، البعيدة عن الاستهلاك.

ترك جمال اللهو الجدالات الساخنة، للآخر، بينما راح يعَّمر استراتيجية المهرجان بضربة محمودة. مغامر في مغامرة، ليست غريبة على الكويتيين ولا الكويت. لا قناع ولا لثام. تكتيكات نضالية، لا تقتلها الشعارات ولا الرذاذات الملونة. دورة وراء دورة، يتقدم التأسيس، على أرض الأشغال، بعيداً من مفاهيم الأمر والطاعة، بالطريق إلى «الفقه المسرحي الجديد».

مهرجان المونودراما رهان، بلا جفوات، على الكائنات والأعمال الحية، في فن المونودراما. مهرجان المونودراما في الكويت ليس مجرد إنجاز فني، بل هو توطين عميق لهذا الصنف الجديد، الصعب، المعقد، على أرض الحلم والواقع في آن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى