موت ” كائن غريب الأطوار ” / نص جديد للكاتب إبراهيم جابر إبراهيم

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –                                                                                                          

يا للخسارة مات ” الحبّ “. ذلك الكائن غريب الأطوار الذي عُثِرَ عليه مرَّةً يتنزه على شاطىء بحيرة جافَّة قبل العصر الديناصوري بألفي عام، وكان يحمل على ظهرة امرأةً أربعينيةً ويرقص بها كأنه ” زوربا ” ، ثم سرعان ما ألقاها في الماء ، وقضى الألف عامٍ اللاحقة يبكي عليها !

مات مؤخَّراً .

عُثر على جثته هذه المرَّة .

كانت جافَّةً مثل طريقٍ لم تخضها امرأة .

وكانت ممدَّدةً على سطح معدني لامع وبارد اسمه : ” الانترنت ” !

لم يعد ثمة، الآن، من يرتبك.

من يخجل ومن يصاب جبينه بالعرق إن مسته كف امرأة !

ذلك العاشق القديم لم يعد.

الذي كان يدور في الشتاء على الأرصفة يدندن باسم الحبيبة كاللحن المدوزن.. اختفى !

العاشق الذي يبات يهذي بعبارة الرضا المتلعثمة، سمعها من فتاة خجلى، فيحلم تلك الليلة انه ينام في أرض خضراء على وسادة الغيم الطري !

ينهض في الفجر البارد، ليحلق ذقنه مرتين، ويلمع حذاءه مرتين، ويستعير ساعة والده، ويذهب للموعد الأول يؤخر رجلاً ويقدم اثنتين !

العاشق الذي كان يمشي للمرأة الأولى كأنما يمشي للمرة الأولى !

تصطاد درجات المطعم سذاجته فيكاد ينقلب على وجهه، يرتطم بطاولات كثيرة قبل ان تريحه يد النادل الى أي طاولة!

يدلق نصف العصير على شرشف الموعد الأول !

يختار كلمات الترحيب بالفتاة الذاهلة كأنما يتعرض لامتحان “الإنشاء”، ويروح يعدد أسماء الحب وأخلاقه الفاضلة!

العاشق الذي كان يرتبك.. اختفى .

وصار ينام ملء جفونه.

الدهشة، أيضاً، اختفت.

                                                     ***

لا يتكلف الفتى العاشق الآن أكثر من اصبع واثقة تتحرك على شاشة الهاتف الجوال كبهلوان !

او اصبعين، إن برحه الهوى، فيطبع بأحرف لاتينية لغة ثالثة سريعة اقتضاها عصر الوجبات السريعة والعلاقات السريعة.

ويذهب “الايميل” وحده لا يحمل ورداً، ولا يدلق عصيراً ولا يتعثر بالدرج !

يقابل الفتى امرأته الآن على “الشات” وهو مسترخ في بيجاما النوم دون ان يحلق ذقنه !

وال “كي بورد” كائن عملي لا يصاب بالحرج، ولا تحمر شاشته إن داهمها الخجل !

                                                        ***

أصابع “العولمة” لا ترتبك.

والفتى لا يقف الآن على باب منزله تحت المطر الغزير، ينتظر ساعة او اثنتين او ثلاثاً حتى تمر بمريولها المتردد وتأخذ وهي تتلفت رسالة أسال الشتاء وعرق الكف اللاهثة حبرها الأزرق !

                                                        ***

لا أحد يسهر محملقاً في الجدار، الآن !

يبقى يتفكر حتى “الآذان” ما الذي سيقوله غداً !

فـ “الموبايل” رهن فكرته الشاردة، واقتراحه العاطفي .

لن يضرب بقبضة كفه على الحائط المجاور متسائلاً: “أتراها غضبت”؟

فها هي تسارعه بـ “الرسالة” وربما بـ “الصورة” فيبرد فحيح الترقب في عظام ساقيه !

                                                      ***

لم يعد الآن من يخجل، ومن يرتبك.

الحب متوفر بكثرة والفتى العاشق يدلق عبارات الغزل على “الطابعة” وهو يوقع صفقة لتجارة الخشب !

لم يعد من يمرض ويصاب بالحمى لأنها غابت عن طريق المدرسة يومين متتاليين !

… …

يا للخسارة، لم يعد هناك من يحلق ذقنه مرتين !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى