موسى عاصي: درب الجلجلة مع اللاجئين في مجاهل أوروبا

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

 

جوزيت ابي تامر 

 

في السابعة عشرة من عمره، وخلال دراسته الثانوية، كان موسى عاصي يتخذ من صفّ الأحرف في جريدة «النداء» عملاً يجني منه بعض المال إلى أن دخل كليّة الإعلام. من هناك، بدأ مسيرة ثلاثة عقود من العمل الصحافي تنوّعت بين الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي. يعمل عاصي اليوم مراسلاً في قناة «الميادين» ويكتب في صحيفة «النهار» بعد أن عمل في صحيفتي «النداء» و«السفير» وإذاعة «صوت الشعب».

يغطّي مراسل «الميادين» مجموعة من الملفات الدولية كان أبرزها المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، وأزمة اليونان. لكنّ التغطية التي حازت على الاهتمام الأكبر كانت لملف اللاجئين السوريين، خصوصاً بعدما ذرف الدموع مباشرة على الهواء عند نقله معاناة اللاجئين المتنقلين بين دول الاتحاد الأوروبي في ظروف إنسانيّة صعبة. عن هذه اللحظات يقول موسى عاصي للـ«السفير»: «كانت تغطية ملف اللاجئين مختلفة بالنسبة لي، لقد سبق أن تابعت ملف المفاوضات النووية منذ بدايتها وهو من أهم الملفات على المستوى الدولي، لكنّ قضيّة اللجوء كانت تجربة إنسانية مؤثّرة». رافق عاصي اللاجئين في جولة استمرّت 13 يوماً عاين خلالها الظروف الإنسانية الصعبة للسوريين التي تبدأ بالمعاملة السيئة من الشرطة اليونانية ولا تنتهي بالإذلال بين الحدود، كما شاركهم مسيرة لثلاثة كيلومترات اجتازوا خلالها مجاري الأنهر.

على الحدود بين مقدونيا وصربيا بكى موسى عاصي بعد مرافقته أطفالاً وأمّهات يتنقلون سيراً على الأقدام في البرد والمطرـ ومشاهدته رجالاً يُضربون من الشرطة الحدودية. يتذكر عاصي تلك اللحظات قائلاً: «كان بكائي تعبيراً عن العجز تجاه الإهانة التي يتعرّض لها الناس، لم أستوعب كيف يمكن في هذا العصر إهانة شعب بكامله والتعامل معه باحتقار، وهو مرغم على تحمّل الذلّ ليكمل طريقه بحثاً عن حياة قد تكون أفضل أو أسوأ». يضيف عاصي: «وضعت نفسي مكانهم وغضبت على المستوى الحقير الذي نعيشه في بلادنا».

قد تواجه المراسل مواقف إنسانية صعبة خلال الحروب لكنّ الأمر يختلف بالنسبة لعاصي: «تغطية الحرب هي صراع بقاء يخلق قوَّة للصمود في وجه الخطر، في الحرب يفقد الإنسان حواسه ومن شدّة خوفه لا يبالي بالخطر ويحاول النجاة حتى اللحظة الأخيرة. لكنّ قضيّة اللاجئين أشعرتني بالعجز أمام أمّ أضاعت طفلها أو شابٍ يتعرّض للضرب أو طفلٍ لا يقوى على السير».

يعيش موسى عاصي اليوم في سويسرا مع زوجته الصحافيّة دينا أبي صعب وأولاده الثلاثة، ولا يخفي رغبته بالعودة والعمل في لبنان حيث التحدّي الأكبر هو الحفاظ على المهنية. لكنّ الأمر ليس مستحيلاً بالنسبة له، مشيراً إلى أنّه استطاع التوفيق بين عمله في «النهار» و «الميادين» من دون أن يدخل قناعاته السياسيّة في العمل.

بين الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع يجد عاصي أن «الكتابة تبقى أفضل الأنواع الصحافيّة، فمتعة الكتابة أكبر بكثير من إعداد التقارير التلفزيونية، كما أن القطعة الصحافية تتطلّب وقتاً أكبر من التقرير». يصف عاصي العمل التلفزيوني بالـ «خفيف» مقارنة مع الصحافة المكتوبة من دون أن يغفل تراجع عدد قرّاء الصحف. يجد الصحافي الذي واكب أهمّ الملفات الدوليّة أن «على الإعلام اللبناني إعطاء مساحة أكبر للقضايا الخارجية لأنه لا يمكن فصل لبنان عن محيطه».

على الصعيد الشخصي لا ينتظر موسى عاصي شيئاً من مهنته، وكل تجربة جديدة هي متعة جديدة وفصل جديد بالنسبة له ويقول: «لا أنتظر أن أكون رئيس تحرير على سبيل المثال لأن عملي الميداني هو الأهم بالنسبة لي، لا أنزعج مهما كانت صعوبة الظروف خلال التغطية بما أنني أتابع القضايا مباشرة على الأرض».

من بين كل الملفات التي يتابعها، يولي موسى اهتماماً خاصاً للتحركات الاحتجاجية والمطلبية التي يشهدها لبنان ويجد أنّ التغطية الإعلامية للحراك مبالغ بها بعض الشيء، مشيراً في المقابل إلى أنّه يؤيّد تلك المبالغة لأنّ «الإعلام يغطّي أخبار السياسيين أكثر مما يستحقّون، والشباب يستحقون مساحة أكبر».

وعن موقفه الشخصي يوضح عاصي: «أرى في الحراك فرصة لتحقيق جزء من طموحاتنا كلبنانيين، ولوضع حد لزعمائنا الفاسدين، المسألة ليست مرتبطة بموضوع النفايات حصراً، إنما بكل التركيبة السياسية المافياوية القائمة في البلد والتي أدت إلى أزمات الكهرباء والمياه والطرق والنفايات والاهتراء الوقح في الدوائر الرسمية». يبدي عاصي بعض الملاحظات على الإطار التنظيمي للحراك قائلاً: «لا أرى نضجاً سياسياً لدى بعض المنظمين، يجب أن يتخلّوا عن المراهقة السياسية والتعاطي الفوقي مع بعض الفئات للسير على أساس برنامج واضح».

على الرغم من كلّ الثغر يعلّق موسى عاصي آمالاً كبيرة على التحركات الشعبية قائلاً: «ما يجري في وسط بيروت هو ولادة شيء جميل اعتقدنا أنّه لن يأتي أبداً، أن يتحرك الناس خارج قيدهم الطائفي في تحدٍّ للسلطة وأجهزتها الأمنية ويصروا على المطالبة بالتغيير فهذا شيء عظيم.. هؤلاء منحوني القدرة على أن افتخر بلبنانيتي من جديد، بوطن لا ينجب فقط زعماء طوائف وأتباع طوائف إنما ينجب أيضاً مواطنين يرفضون الخنوع. هؤلاء يستحقون دولة ديموقراطية حضارية على مقاسهم ومقاسنا».

 

 

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى