مونودراما «حكاية طرابلسية».. حكايـــــا قهـــر المـــرأة العربيــــة

الجسرة الثقافية الالكترونية
فنون و منوعاتالأربعاء، 24/9/2014 – 0:30 مونودراما «حكاية طرابلسية».. حكايـــــا قهـــر المـــرأة العربيــــة
شارك
العرب اليوم رسمي محاسنة010المونودراما، فن الممثل الواحد،الذي يعتمد على أدواته الخاصة بالأداء بشكل أساسي،شخصيات محكومة بالعزلة والوحدة والحنين،حوارهم مع الغائب الذي عادة لا يحضر.هذا الغائب الذي يعلقون عليه الآمال لعله ينقذهم من وضع يبحثون عن الخلاص منه. وهنا تكمن العقدة المسرحية حيث أن النص والإخراج والأداء في حالة بحث محموم عن حلول تعمل على استمرار التواصل بين الخشبة والجمهور، ولذلك بقيت المونو دراما العربية تعمل في حيز ضيق.وقليلة هي الأعمال التي لاقت نجاحا في العالم العربي إما لأسباب تتعلق بالممثل بطل العرض أو بقصور الرؤية الإخراجية باجتراح الحلول التي تجعل من العمل جاذبا ومدهشا.
ضمن عروض مهرجان عشيات طقوس المسرحية الدولية،كان عرض مونودراما حكاية طرابلسية من ليبيا من تأليف محمد يوسف،وإخراج المصري جمال عبد الناصر،ومن بطولة الفنانة خدوجة صبري.النجمة الليبية صاحبة تجربة فنية واسعة في السينما،والتلفزيون،والمسرح.وقد شاركت المسرحية في العديد من المهرجانات العربية .
يفتح المسرح على مفردات ديكور واكسسوارات حيث صندوق خشبي يتوسط الخشبة وطاولة على الجانب واكسسوارات معلقة على الجدران والسقف، حيث مزهرية وساعة، وصندوق جواهر، ومظلة، ومسدس وأزياء معلقة هنا وهناك. ووسط أجواء ضبابية تدخل امرأة متلفحة بالأبيض متجهمة وحائرة مسكونة بالقلق والأسئلة تتحرك هنا وهناك تبحث عن ما يؤنس وحدتها تفتح الصندوق وتخرج صورة لها مع أمها، ويدور حوار حميم فيه الحنين والذكريات ، واستحضار تلك الأيام طفولتها الطقوس اليومية المناســبات حالة الزهو والبساطة في العيش .
هي عائدة للبيت لم يبق شي منها سوى ذكريات وبعض المقتنيات مثل المزهرية وصندوق الجواهر والساعة لكنها ذكريات مؤلمة ومقتنيات توارثتها البنات عن الأمهات مقتنيات شاهدة على مرحلة مؤلمة وقاسية، لذلك تقوم بتهميشها، وتتصاعد لحظات القهر وتأتي صورة سميرة التي تم إعدامها رميا بالرصاص ليس لذنب سوى ان هناك مجتمع فرض قيود وقيم، وتتمترس خلفها بعقول متحجرة ونظرة متخلفة تجاه المرأة .
وفي الأزمات يحضر الحنين إلى ذلك الزمن الجميل حيث الأغاني بمفرداتها العذبة وموسيقاها الساحرة إلى السلوكات وذلك الاحترام في العلاقات، الملايات على الجسد والرأس والحناء، المعاكسات الخجولة التي لا تجرح إحساس الأنثى، وكيف أن كل ذلك تحول إلى حالة من الوحشية والتهميش والنظرة الدونية للمرأة، التي حولتها مفاهيم المجتمع المتخلف إلى وعاء للإنجاب والمتعة . لذلك لا تجد إلا أمها تشكو إليها وحدتها وقلقها وقسوة الدنيا عليها . ودائما المرأة هي الخاسرة حتى بعد حالة الانتظار، تحصل على بقايا رجل، هو أقرب إلى الجثة التي تنام في سريرها ليزيد من إحساسها بالقهر وظلم المجتمع والحياة.
وتستعرض خدوجة نماذج من الشخصيات والعلاقات لنساء وأبناء وبنات وكيف تؤول الأمور بالشخصيات ومصائرها تحت سيطرة قيم أفسدت البشر وتهتكت بها العلاقات الأسرية والإنسانية . وهروبا من هذه الأجواء القاتلة تلجأ من جديد إلى أمها والى ذكرياتها الى رائحة الخبز والقهوة والأغاني وتضيق الدائرة عليها، لم يبق لها إلا أمها لكن الأم قد ماتت ولم يبق لها متسع إلا أن تختار الموت وتضع نفسها بمحاذاة أمها في القبر.
انه واقع المرأة في ليبيا وفي عالمنا العربي وسط عالم ذكوري والعمل يحمل رسالة واضحة أن هناك مشكلة تعطل المجتمع وتحجر على العقول. وقد حملت الفنانة (خدوجة صبري) بخبرتها الطويلة هذا العمل بأدائها الجسدي والتعبيري،بخيالها،بإحساسها العالي، لم يهبط الإيقاع ولم يتلعثم الأداء، وتنتقل بسلاسة من شخصية لأخرى بأداء مدهش، وحضور ملفت الأمر الذي جعل الجمهور متواصلاُ معها طوال العرض ومتتبع لانفعالاتها ولم تترك فراغات بالعرض واستخدمت الأدوات المتاحة بذكاء وخفة وإقناع واستطاعت أن تنقل إحساسها بالقهر والوحدة والانكسار وحمل أفكار الشخصيات المتشظية وتوظيف الدلالات والتعامل معها وكأنها نابضة بالحياة، وهذا ما يحقق أحد أهم شروط المونو دراما .
وتم اقتراح حلول وتشكيلات، وتوظيفها مع قدرة الممثلة على تعزيز دلالات المفردات المستخدمة لمصلحة البناء العام للعرض سواء فكريا أو جماليا، بقدر حاجة العرض لها من دون إرباك للممثلة او تشويش على المتلقي، أو الخلط بين الدلالات وتوظيف المفردة بأكثر من دلالة كما في الصندوق الخشبي، الذي هو مقعد للجلوس، وخزانة للذكريات، وقبر، حيث كان توظيف هذه المفردة مقنعا وسلسا من دون إرباك أو افتعال وكذلك الإضاءة التي كانت قاتمة معظم الوقت سوى تلك اللمحة بالإضاءة الواسعة(جنرال) عندما كان الحوار يدور في حوش البيت الكبير . حكاية طرابلسية هي حكاية عربية أيضا، قدمتها خدوجة صبري بوعي وفهم وتوظيف لأدوات تمتلكها في الأداء والتعبير الجسدي والعاطفي صعودا وهبوطا خلال مسيرة الشخصية، من دون الوقوع في مطب الميلو دراما والبكائيات المفجعة أو المنولوجات المملة ونجحت في إبقاء الفعل المسرحي حاضرا بحضورها القوي.
#العرب اليوم