مُباهاة فنون

الجسرة الثقافية الالكترونية

جهاد جبارة –  لا أدري من أشدّ مكراً، الثعلب الذي يسطو على قِن الدجاج ليختطف واحدة منها ليُطعم صغاره الجوعى، أم ذلك، الذي انتبه لجمال ذيل الثعلب فراح يقنصه ليقطع الذيل الذي راحت تتباهى به الحسناوات كياقة يُجملن بشعره الأشقر الكثيف معاطف الشتاء الطويل؟
أكثر ما يُزعجني بالمباهاة أثناء حفلات الاستعراض الليلية، أنه ما خطر على بال أحدهم او إحداهن بأن نزع ذلك الذيل من جسد صاحبه كان سبباً بموت صغاره وهم يتلوون جوعاً داخل الوكر البعيد بين التلال القاحلة.
أما اؤلئك الذين ترتجف قلوبهم هلعاً حين يسمعون عواء ذئبٍ منادياً صحبه أثناء ليالي الشتاء العاصفة، صاروا يرتدون جلود الذئاب كمعاطف ليوهموا الآخرين بشجاعة لم يكونوا يملكونها حينما كان بمقدرة ذلك الجلد أن يعوي عندما كان صاحبه على قيد الحياة.
وآخرون من الذين فتنتهم قرون الغزلان ليزينوا جدران بيوتهم بها راحوا يُطيحون الغزلان ببنادقهم على القمم الصخريّة المُسننة، او يفجرون دماءها على عشب السهوب الخضراء، لكنهم حينما يتباهون أمام ضيوفهم بمشهد الإغتيال المعلّق على الجدار لا يخطر على بالهم أن تلك القرون التي امتلكها الغزال كانت سلاحه الوحيد الذي يذود به عن إناثه وعن حدود حَوَزِه الذي كان يسكنه.
وأولئك الذين طاردوا طير النعام فقتلوه من أجل أن يحشوا المفارش، والوسائد بريشه الأملَس الناعم، ما خطر على بالهم ذات ليلة ورؤوسهم تتنعم على الوسائد اللينة أن هذا الريش كان ينتظره صغارٌ يطلبون دِفئه في ليالي الصقيع الصحراوية.
وآخرون من الذين تهوي قلوبهم في قاع صدورهم لدى رؤيتهم لتمساح يعبر ماء النهر بمنتهى الهدوء غير هيّاب، راحوا يقتلون التماسيح ليتباهوا أنهم يدوسون الأرض بأحذية كانت فيما مضى جلد المخلوق النهري الذي هَوَت قلوبهم بالأمس لدى رؤيته.
أما العالم الذي أطلق اسم العاج على ساحلٍ كان يكتظ بأكوام من أنياب الفيلة حتى كادت قطعانها أن تُباد إبادة تامة يعرف أن لاعبي «البلياردو» الممُسكين بعصى ليضربوا بها كُرات العاج، يُظهرون الكثير من المباهاة لدى سماعهم صوت ارتطام العاج ببعضه من أجل إسقاط الكُرة العاجية داخل سجن السلّة، أما ما يُدهشني أكثر فهي المباهاة التي يوزعها على مستمعيه عازف البيانو وهو يضرب بأصابعه على مفاتيحه العاجيّة المقطوعة من انياب الفيلة.
الذين يتباهون بالعاج لا يدرون أنهم جعلوا من غابات الأفيال مناطق منزوعة السلاح حينما سطوا على سلاحها الأنياب.

 

الراي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى