ناجي بيضون شاعراً ساخراً بألفة

 

 

 

يلعب ديوان «قصائد ساخرة» (دار الفارابي- بيروت) في المجالين العاطفي والاجتماعي، راضياً بهما وغير طامح إلى ما هو أبعد. ذلك أن شخصية الشاعر هنا تبدو إيجابية ومليئة بفرح الحياة، وتختلف سخرية ناجي بيضون في قصائده جذرياً، عن الفكاهة السوداء التي تعبث بالمكونات الأساسية للإنسان فرداً ومجتمعاً، وأحياناً بأساس التكوين الطبيعي، وتقوم على السلبية بل على التشاؤم. أنظر الى الفكاهة السوداء في مجال الحب عند الفرنسي شارل بودلير، وفي مجال التكوين عند العربي أبو العلاء المعري.

وشعر السخرية يتطلب أساساً:

1- في الموضوع: استقرار اجتماعي وثقافي، بمعنى التوازن الذي يحفظ حركة الحياة بتجددها وبحثها عن مجالات متقدمة من الثقافة، ومن أشكال السياسة بما هي إدارة للمجتمع.

2- في الشاعر: حرية واستقلالية، بمعنى تقبّل أهل الموضوع النقد وحتى السخرية منهم، وحرية الشاعر في القول الساخر وتحمله المسؤولية، استناداً إلى شخصيته المستقلة. فليس للتابع أن يسخر إنما يتخصص في هجاء خصوم جماعته.

قصائد الديوان مبنية على المفارقات، والشاعر يرأف بمن يسخر منهم، يعتبر السخرية كلاماً أليفاً داخل بيت الصداقة، بحيث يبدو موضوع السخرية قابلاً بها وضاحكاً منها. الجميع هنا يُرمَز إليهم بنزار مروة الذي كان يلاعب الشاعر بكرة الكلام الذكي.

تسخر القصائد داخل البيت، في حلقة الأصدقاء، وتجد أسلافها في مقاطع شعرية لموسى الزين شرارة، ابن بنت جبيل اللبنانية التي ينتمي إليها ناجي بيضون، كما في مقاطع عبدالحسين العبدالله شيخ الساخرين الاجتماعيين والسياسيين في بلدة الخيام.

لكن بيضون يكتفي بالمفارقات الشخصية والاجتماعية، ولا يذهب بعيداً في السخرية السياسية. ربما لأنه تنقل في غير مدينة ووطن، فوجد في الأصدقاء حلقة وصل بين إقاماته المتعددة.

في السياسة القليلة، مثلاً:

نحن كنا أمة واحدة

باعنا العسكر والغرب اشترانا

و

وجُننا بأمريكا وجُنّتْ بغيرنا

وأخرى بنا مجنونة لا نريدها

وفي غير السياسة الكثير، أقربه الى النفس تلك السخريات من مواقف الحب في مقتبل الشباب، حين الحبيبة أو الصديقة أو الرفيقة موضع التباس أكثر مما هي الطرف الثاني في علاقة حب واضحة. والفيصل المرعب هنا هو الزواج الذي يختصر مسافات من العلاقة تحتاجها الروح. يذهب الشاب الى الزواج كمن يدخل الى قفص، بل إلى غرفة بلا نوافذ تحمل وعد الاختناق:

فنسأل: من عناّ تكلَّم باطلاً

تجيب: أبيتُ اللعنَ نبّهني جدّي

بألا أماشي الشاب حتى يصير لي

عريساً مليء الجيب أو طالباً «يدّي».

ديوان للقراءة بصوت عال. للسماع. يصل بـ الـCD أفضل مما يصل بالورق. وفي عنوانه الفرعي «محاولات للضحك في زمن العولمة»، إشارة الى إحدى علامات العولمة القائمة على استعادة البيئة الصغيرة النواة لتتحد مباشرة بكلانية العولمة، أي أنها الفرد الذي يتعولم من دون وسيط مجتمعي أو وطني أو قومي. بهذا المعنى «قصائد ساخرة» هي نتاج البيت الأبوي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى