نادية الكوكباني سباقة في فضح مشروع الحوثيين

الجسرة الثقافية الالكترونية
*نبيل سليمان
المصدر: الحياة
تروي روضة حسين، الكاتبة المطلقة أن والدها توسط لدى شيوخ القبائل في عقر دار الحوثيين (صعدة) لجمع السلاح من المقاتلين المعارضين للسلطة. وفي رواية روضة أيضاً أن من كان زوجها اشترى ما جمع والدها من السلاح، وأعاده إلى عناصر من قمة هرم السلطة، تعزيزاً لحظوته لديهم، وبالتالي تيسيراً وتطويراً لتجارته، إذا لم يكافأ بوزارة ما.
للأب، بالطبع، نسبة ما من صفقة السلاح فهو، كما اكتشفت ابنته، والغ في الحرب، إذ يغري – يورّط عائلات فقيرة بتجنيد أبنائها ورميهم في أتون الحرب في صعدة، مقابل رواتب شهرية مجزية للمجند. ويؤول الراتب إلى أسرة المجند، إذا ما استشهد أو أعطبته الحرب.
قبل طلاقها، اكتشفت روضة حسين أن زوجها كان يدبر السلاح بطرائق التهريب، ويبيعه إلى الجماعات التي تحارب في صعدة. وهو إذاً كالمنشار، يفيد من الحرب صعوداً ونزولاً، في البيع، في الشراء وتسليم المشتريات إلى السلطة. وكل ذلك هو بعض ما يشغل رواية (عقيلات) للكاتبة اليمنية نادية الكوكباني (أكاديمية في هندسة العمارة). وقبل ما يتصل في الرواية بالحوثيين والحرب، كانت الشخصية المحورية روضة حسين قد شبكت ببراعة بين حياتها الشخصية البالغة التعقيد، وبين التاريخ اليمني الحديث البالغ التعقيد، منذ الثورة التي أطاحت عام 1962 الإمامة وجاءت بالجمهورية، وصولاً إلى الوحدة، فحرب التشطير عام 1986، ومن بعد: الحرب الحوثية في صعدة، جولةً بعد جولة.
هذه العقود اليمنية الخمسة الأخيرة التي فجرت الحكمة اليمانية أخيراً شر تفجير، هي ما شغل أيضاً رواية نادية الكوكباني الجديدة «صنعائي»، مثلما شغلت رواية «ابنة سوسلوف» ورواية (الملكة المغدورة) للروائي اليمني المميز حبيب عبد الرب سروري (الأكاديمي أيضاً، ولكن في هندسة الكمبيوتر).
يروم والد روضة أن تكتب له ابنته مذكراته، أسوةً برعيله وأقرانه ممن قادوا ثورة عام 1962، ودأبوا على كتابة مذكراتهم. لكن روضة تعلم حق العلم أن والدها لم يفعل إلا الفرار من قصر الإمام إلى منزل والد أمها، حيث لبد حتى أعلنت إذاعة صنعاء قيام الجمهورية وانتصار الثورة. عندئذٍ سرق المناضل العتيد من كنوز القصر الإمامي ما سرق. ودعماً منه للثورة أخبر الثوار بما تبقى من الكنوز. وقد عاد إلى هذه الخطة عينها أثناء حصار الملكيين لصنعاء، فيما عرف بحصار السبعين يوماً بين تشرين الثاني (نوفمبر) 1967 وشباط و(فبراير) 1968. وكما اختفى المناضل العتيد إبان قيام الجمهورية، اختفى في الحرب الملكية الجمهورية حتى وضعت أوزارها، وأقنع كل جبهة أنه كان يحارب على الجبهة الأخرى.
والابنة التي فتكت ذكورية الأب والزوج بنشأتها وبزواجها وأمومتها وطلاقها، تعلم حق العلم أيضاً أن والدها الذي تصفه ساخرة بالثوري العظيم، كان يتاجر بالعقارات، فيشتري الأرض (الهباء) وهو على دراية محكمة بأنها ستكون في المخطط التنظيمي العمراني. وشأن الأب في ذلك هو شأن محدثي النعمة «الذين يحتفظون بنصف صنعاء، حتى جبالها أحاطوها بالأسوار الدالة على ملكيتهم لها». وقد منحت السلطة هذا الثوري العظيم قطعة أرض في عدن، أسوة بمعظم قادة الثورة، فمضى إلى العاصمة الثانية لينجز إجراءات الملكية. وقد عادت الأم من هذا المشوار مستاءة من الوضع في عدن، وفي الضالع ويافع، حيث ارتفعت شعارات العودة إلى التشطير (الانفصال) حفاظاً على الحقوق التي نهبت فيما كان اليمن الجنوبي. كما أساء الأم مصرع العسكريين والمدنيين الذين خرجوا في الجنوب سلمياً مطالبين بحقوقهم. ولكنْ للثوري العظيم طريق آخر دفع بالأم إلى أن تطلب من روضة أن تعود إلى طليقها، و(المحلل) الذي ستعبره إلى الطليق جاهز، فلماذا؟
تدرك روضة سريعاً الجواب، فتلتف على الأب الذي يروم أن تكتب ابنته في مذكراته أنه كان في داخل «مارد الثورة» و»المارد» هو الدبابة التي كان في داخلها عدد من ضباط ثورة 1962، هم من فجروا قصر الإمام (دار البشائر) في ميدان التحرير في صنعاء.
في التفافها على أبيها تسافر روضة إلى إيطاليا حيث ابناها. ومن نافذة الطائرة تنظر إلى صنعاء، فلا يظهر لها منها إلا جامع الصالح الذي بناه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في قلب صنعاء. ومن الطائرة تراه روضة يربض على أنفاس الفقراء والمساكين، وبدت صنعاء كما قالت عنها الإيطالية كاترين يوماً: ذلك السجن الكبير. وقد خصّت الكاتبة جامع الصالح بملحق في نهاية الرواية، وهو الذي كانت محاولة اغتيال علي عبدالله صالح.
ذيلت نادية الكوكباني رواية «عقيلات» بتاريخ الانتهاء من كتابتها، وهو 10/20/ 2008. وقد ألحقت بالرواية، قبل ملحق جامع الصالح، ملحقاً مطولاً عنوانه «عن حرب صعدة». والملحق يعرض تقرير المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية لعام 2007، والذي تحدث في محوره الأمني عن تنظيم «الشباب المؤمن»، وهو جناح من «حزب الحق»، ذو هوية دينية تترجح بين الإثني عشرية المحضة، والزيدية المحضة. ويرجح التقرير انتماء أولاء الشباب فقهياً إلى المذهب الهادوي الزيدي، وعقائدياً إلى فرقة الجاوردية الزيدية، وهي أشد فرق الزيدية غلوّاً، وبخاصة في مسألة الإمامة وعدالة الصحابة.
أما سياسياً فيترجح الشباب المؤمن بين حزب الحق وحزب المؤتمر الشعبي العام. وكانوا يرون في القيادات الكلاسيكية حائلاً دون طموحهم بعدما تراجع حزب الحق في الانتخابات النيابية عام 1997. وإذ حمّلوا تلك القيادات مسؤولية التراجع، استقالوا جماعياً وشكلوا تنظيم «الشباب المؤمن»، ورفعوا شعاراتهم في جامع الهادي في صعدة في صلاة الجمعة، أثناء مرور علي عبدالله صالح إلى الحج عام 2002، حيث منعوا الرئيس المخلوع من الخطبة وهم يهتفون بما بات شعارات «أنصار الشريعة»: الله أكبر – الموت لأميركا – الموت لإسرائيل – اللعنة على اليهود – النصر للإسلام. ويتحدث ملحق الرواية عن حسين بدر الدين الحوثي، والد عبد الملك الحوثي، والذي لم يكن جمهوره يعترف بغير شرعيته في مديرية حيدان. ويفصل الملحق – التقرير في جولات الحرب الحوثية، ابتداء من أولاها التي اندلعت في 20/ 7/ 2005، وصولاً إلى الجولة الخامسة التي دارت في صنعاء، حيث حاولت سلطة علي عبدالله صالح ضرب تنظيم الشباب بعد دعمها له، إذ رصدت لهم موازنة شهرية، وطبعت لهم منشوراتهم، وكانوا يتلقون أيضاً دعماً من إيران ومن جمعيات ورموز شيعية شتى في الخليج. كما كان أولاء الشباب يتشبّعون بالفكر «الثوري» عبر زياراتهم إلى إيران ولبنان.
صدرت الطبعة الأولى من رواية «عقيلات» في صنعاء في نهاية عام 2008. وقيّض لي أخيراً أن أشرف على إصدار طبعة ثانية من الرواية في سورية (دار الحوار). ومن أسف أنني اقترحت على الكاتبة حذف ملاحق الرواية الثلاثة – والثالث عنوانه: عن الحراك الجنوبي – ومن أسف أن الكاتبة أخذت باقتراحي. ذلك أن ما جرى في اليمن منذ الصيف الماضي ينادي ملاحق الرواية، حتى لو بدا أنها تثقل على فنّيتها. فالرواية التي يشغلها ما يمور في الفضاء العربي، يصخب نداؤها لكتابة التاريخ الجاري، السائل، الساخن، وهو النداء الفني الأعقد من نداء الحفريات الروائية في التاريخ المنجز، وإن نسبياً.