ناصر عراق يسترجع الاحتلال الفرنسي لمصر

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

صبحي موسى

 

في روايته «الأزبكية» (الدار المصرية اللبنانية)، يرصد الكاتب المصري ناصر عراق جانباً من مرحلة مهمة في تاريخ مصر، وهي مرحلة الاحتلال الفرنسي وما بعده حتى تولي محمد علي حكم البلد، من خلال فنان فرنسي يدعى شارل، وناسخ كتب مصري يدعى أيوب السبع. كان الأول مفتوناً بفكرة الجمهورية وآراء المفكرين الفرنسيين، بينما كان الثاني راغباً في الخلاص من الاحتلال، حالماً بأن يحكم مصر رجل وطني وليس إسلامياً، ومن ثم تجيء أهمية الرواية في طرحها الأسئلة التي تخص المرحلة الراهنة، ولكن ليس من قُرب.

جاءت الرواية كما لو أنها كتاب تاريخي من جزءين ومقدمة. تكونت المقدمة من فصلين أحدهما في رواية أيوب السبع والثاني في رواية شارل المقيم في مصر قبل الحملة الفرنسية بعامين. يدور الجزء الأول وفق رواية السارد العليم في القاهرة من تموز (يوليو) 1798 حتى تموز 1801. وفي الأزهر من 12 أيار (مايو) إلى 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 1805 على هيئة مذكرات لكل من شارل وأيوب. بينما جاء الجزء الثاني في القاهرة بين عامي 1801 و1805 برواية السارد العليم، وفي الأزهر من 11 تشرين الثاني حتى 16 تشرين الثاني 1805 برواية كل من أيوب وشارل. وتدور الأحداث حول عصبة من الشباب الذين رفضوا الاحتلال الفرنسي وقرروا مقاومته عبر اختطاف وقتل جنوده، ولإيمانهم بضرورة أن يحكم مصري البلاد، فإنهم يعارضون محمد علي، فيقضي جنودُه عليهم، يقضون عقب وشاية زميلهم دياب.

تعد فكرة الحاكم المصري حجر الأساس في «الأزبكية»، بدءاً من عتبة العنوان التي تشير إلى مقر حكم نابليون بونابرت في القاهرة، وهو أساساً قصر أحد أعيانها؛ محمد الألفي، وصولاً إلى أيوب السبع وعصبته الرافضة حكم الولاة المتعاقبين على مصر من قبل الباب العالي في الأستانة، فيما كان محمد علي يراقب الأمور ويظهر انحيازه للمصريين في مواجهة الباشاوات إلى أن اتفق شيوخ الأزهر على اختياره حاكماً للبلاد.

تعد «الأزبكية» من أكثر الروايات احتفاء بالمكان، إذ رصد عراق بمحبة واضحة تفاصيل الأماكن التي دارت فيها الأحداث، بخاصة الأزهر والحسين الأزبكية وبولاق وغيرها. لكن ثمة إشكاليات على مستوى التقنيات المستخدمة في النص، بداية من الزمن الذي لا نعرف سبباً لتقسيمه إلى زمنين متداخلين، فثمة زمن يخص فترة الحملة الفرنسية من 1798 حتى 1801، وآخر من 1801 حتى 1805، ومن المفترض أن ثمة تقسيماً مكانياً لهما في الرواية (التي تم تقسيمها إلى جزءين)، لكننا لا نعرف سبباً لأن تكون هناك فصول برواية شارل أو أيوب من الفترة الثانية في المرحلة الأولى أو العكس، مما أحدث تداخلاً بين الزمنين بلا طائل، وأفقد فكرة التقسيم أهميتها، وفي النهاية لم يخلص النص من سرده الكلاسيكي للأحداث. على جانب آخر، حدث خلط في الروايات أو وجهات نظر السارد بتعدد الرواة، ومن ثم فإننا لا نعرف ما الإضافة التي تحققت للنص من رواية فصول من الرواية بلسان شارل، وفصول أخرى بلسان أيوب، في ظلّ هيمنة الراوي العليم على غالبية السرد. هكذا نجد أنفسنا أمام تعدد رواة وتفتيت زمن مجاني لا يضيف إلى النص بقدر ما يحدث خللاً في بنية السرد.

ثمة ملاحظة أخرى وهي ولع عراق بالعلاقات الحسيّة بين شخوص الرواية، حتى أن الاهتمام بهذه العلاقات يمثل نحو خمسين في المئة من أجواء النص. شارل على علاقة بمسعدة حجاب التي أنجبت له طفلاً، وبجارية إيواظ بيك النوبية التي وقعت في غرامه. أمّا أيوب فعلى علاقة بحسنات، بائعة الشاي التي انتقلت للإقامة مع أمها وزوجها في بولاق، لكنها تقصده دائماً من أجل إطفاء نارهما في «بيت العفاريت»، وهو أيضاً (أيوب) يحب فرانسوا شقيقة شارل التي جاءت من فرنسا، وقتلها اللصوص فماتت على صدره، وما إن يرى سعدية- وهي في الرابعة عشرة من عمرها- حتى يهيم بها عشقاً ويقرر الزواج منها، فتحمل طفلهما لكنّ أيوب يموت قبل أن يراه، لأنّ صديقه، دياب ضاضو، أبلغ عنه وعن عصبته فجاء الجنود وقتلوهم جميعاً. أما صديقهما «شلضم» السقاء فقد اختارته «أشرف هانم» لنفسها، فكانت تخرج لتلتقي به في بيت أعدته لذلك، وانتهى الأمر بهروبها معه تاركة زوجها إيواظ بيك.

الرواية في مجملها تؤكد أن أيوب وعصبته كانوا أول تنظيم سري مصري يسعى للقول «إن مصر للمصريين»، وضرورة أن تتحول إلى جمهورية. المدهش أنّ هذا الحلّ تأخر نحو مئة وخمسين عاماً، فحكم أسرة محمد علي لم ينته إلا بثورة تموز (يوليو) 1952. المدهش أيضاً أن شارل الذي زرع فكرة الجمهورية في عقل أيوب وعصابته لم يقل له أن بونابرت انقض على الجمهورية الفرنسية بعدما عاد من مصر، وأنه حولها إلى دكتاتورية عسكرية تحت قيادته. لكنّ عراق كان معنياً بأن يرى في فرنسا الفن والجمال وآراء الفلاسفة الكبار، ويرى العلاقة بين الشرق والغرب علاقة غرام لم تصل إلى حدّ التزاوج. فشارل ترك مصر قبل أن يتزوج بمسعدة حجاب، وأيوب قُتل قبل أن يتزوج من فرانسوا. وعلى رغم انتقاء عراق أكثر من اثني عشر مقطعاً من أعمال كتبها مصريون أو فرنسيون عن مصر، لم تطرح الرواية أفكاراً جديدة على مستوى العلاقة بين الشرق والغرب، ولا حتى فكرة أن مصر لم يحكمها من زمن الفراعنة حتى جمال عبدالناصر شخصية مصرية. أما فكرة التنظيم السري فلم تظهر تاريخياً إلا مع الاحتلال البريطاني لمصر، ويصعب القول إن الكاتب اتخذ من الفترة التي أعقبت خروج الفرنسيين حتى مجيء محمد علي ليسقطها على ما حدث في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، أو أن النظام المصري الراهن يشبه نظام محمد علي، وإن كانت خلفية كليهما عسكرية.

المصدر: الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى