«ناقة الّله» لإبراهيم الكوني.. آدم في المنفى

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

نازك بدير

 

يستعيد إبراهيم الكوني في روايته «ناقة الله» تيمة الخروج من الوطن، والتّيه في الصّحراء بحثًا عن جنّة مفقودة. ولقد أُدرِجَت روايته في القائمة القصيرة لجائزة «المان بوكر الدّوليّة» 2015. كما اختارته مجلّة «لير» الفرنسيّة من بين خمسين روائيًّا في العالم عدّتهم من ممثّلي «أدب القرن الحادي والعشرين».

البطل في نصّ الكوني الرّوائي هو النّاقة «تأملّالت»، التي شكّلت محرّك البحث عن وطن، أُخرِج منه الطّوارق عنوة بعد تقسيم الصّحراء الكبرى. وتعود أحداث الرّواية إلى ستينيّات القرن العشرين، على عهد حكومة «موديبوكيتا» التي قمعت الطّوارق بشدّة، وزجّت بمعظم نشطائهم في السّجون.

يُذكّر»أسيس» و «تاملّالت» في رحلتهما المضنية بخروج آدم وحوّاء من الجنّة. كما تستحضر غربة أبطال» التيه» لعبد الرحمن منيف في الصّحراء، وتقارب في عذاباتها الفرارَ من بلاد شرق المتوسّط حيث استحال (البحر) مقبرة الهاربين من الحروب.

يمزج الكاتب بين الواقعي والأسطوري في النص، وتنتمي غالبيّة الأحداث المتعلّقة بالنّاقة «تاملّالت» إلى الغرائبية فهو «لم يعرف لنفسه خلاًّ سواها، ولم يجد لنفسه مخلوقًا يفهم له منطقاً غيرها»(ص.14) يطرح من خلالها مسألة حبّ الوطن والتّعلّق به، ويرى المنيّة في رحابه أهون من العيش بأمان خارجه. لا حياة خارج الوطن «فإنسان المنفى لا يحيا، ولكنّه يعيش على أمل أن يعود إلى الوطن يوماً كي يحيا» (ص.50)

يتوقّف إبراهيم الكُوني مطوّلاً عند الحروب الّتي مزّقت الصّحراء وقسّمتها، ويروي المذابح التي ارتكبها موديبوكيتا وشركاؤه، والمكائد بين البيض والسّود، ويتحدّث عن الفرنسيين أصل الفتنة، الذين عملوا على محو «تينبكتو» مملكة الطوارق، واستصدروا بحقّهم فرمان الموت، لأنّهم رفضوا أن يكونوا عبيداً لعبيد. يقول أحد الشهود العيان الذي نجا من الأسر: «نحن من جنى على أنفسنا يوم اخترنا الحريّة ديناً، وليس لنا أن نلوم الأمم إذا ناصبتنا العداء، لأنّ احتراف الحريّة هو ما لا يُغتَفر، وليس لنا إلّا أن ندخل في دينهم إذا شئنا أن ننجو بأنفسنا». (ص.179)

وما يرويه الكاتب في «ناقة الله» لا يبدو غريباً أو بعيداً من الأحداث التي تعيشها المنطقة العربيّة من نزاعات وانقسامات وتحالفات ودمار. وكأنّه لا يروي مأساة الطوارق وحدهم، إنّما هي قضيّة تشرذم معظم أنحاء العالم العربي، وتفسّخه. وما أشبه دبابات موديبوكيتا، التي سحقت العزّل، بآليّات النّظام المصري التي دهست المحتجّين في ميدان التّحرير. كما أنّ ممارسة الحكومة التي أتى بها الفرنسيّون لا تقلّ شراسة عمّا قامت به داعش في سوريا والعراق.

يطرح الكوني على لسان «أسيس» أسئلة عن العدالة الإلهيّة إزاء الموت الذي تغرق فيه الصّحراء، ما يجري، كما يرى، أشبه ما يكون بعمليّة إبادة جماعيّة لكلّ من يضع لثاماً. أمام هذه المجازر يسأل»فكيف يسمح (الله) بذبح الأبرياء؟(…) أيعقل أن يقف الله موقف المتفرّج وهو يرى الأبرياء يُنحرون كما تُنحر ضحايا العيد؟». (ص.119)

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى