نبيل فرج يلقي الضوء على ذاكرة الفلكور المصري

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

أيمن رفعت

 

يتألف كتاب “من ذاكرة الفلكلور” للكاتب نبيل فرج من مجموعة مقالات تتناول عدداً من أعلام الأدب والفنون الشعبية الذين أثروا حياتنا بما قدموه من دراسات نقدية أو أعمال فنية كان لها تأثيرها الفعال في توجيه وصياغة وفتح آفاق الإبداع العربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين.

 

في أول مقالات هذا الكتاب، يشير المؤلف إلى عبدالحميد يونس (1910 – 1988)، قائلاً: يُعدّ كتاب د. يونس “الأسس الفنية للنقد الأدبي”، من التجليات الأولى لمشاركته في الحركة الأدبية.

 

في هذا الكتاب يدرس عبدالحميد يونس الأدب على اعتبار أنه من القول أو من الكلمة، وأنه نشاط وجداني يؤدي وظيفة حيوية لمبدعه ولمتلقيه.

 

ويضيف: دراسات عبدالحميد يونس للأدب الشعبي تفيض بالموازنات بينه وبين تراث الشعوب الأخرى، وكثيراً ما يشير في هذه الدراسات إلى بصمات للأدب العربي في الأدب الشعبي، بما يؤكد أن النقاء العرقي، وعدم التأثر والتأثير غير صحيحين، ويتناقضان مع تاريخ الثقافات والحضارات التي لا تنفصل فيها الآثار الأدبية والفنية عن التاريخ.

 

وينقلنا الكاتب إلى أحمد رشدي صالح (1920 – 1980)، قائلاً: تعد تجربة أحمد رشدي صالح في جمع الفلكلور ودراسته من أوائل التجارب العلمية في هذا المجال، إن لم تكن أول تجربة علمية في الثقافة المصرية الحديثة.

 

وتتمثّل هذه التجربة الأصيلة المتميّزة لأحمد رشدي صالح في ثلاثة كتب صدرت في (1955 – 1956) لا يستغني عنها باحث في الفنون الشعبية وهي: الأدب الشعبي، فنون الأدب الشعبي – الشعر، فنون الأدب الشعبي – النثر.

 

وتفيض كتابات رشدي صالح بالمقارنات التي تتطابق فيها أمثالنا الشعبية في مصر، في الأسلوب والمضمون، مع أمثال شعبية في أقطار عربية عدة، كما أن في هذه الأمثال المصرية والعربية من المضامين الإنسانية العامة ما يماثل مضامين الأمثال في الدول الأوروبية والآسيوية والأفريقية.

 

أما عن ألفريد فرج (1929 – 2005)، فيقول الكاتب: كان ألفريد فرج يعتبر الأراجوز الذي نراه في الأسواق والموالد، وفي المسرح القومي الأصيل في مصر، ويدعو الممثلين وليس الكتّاب فحسب أن يستفيدوا من هذه الثروة الفنية في أداء كوميدي ضاحك يشيع البهجة في المسرح.

 

والفلكلور في إنتاج ألفريد فرج يتألف من التراث الأدبي، ومن السيرك والملاحم الشعبية، ومن الشعر والحكم والأمثال والفنون والعمارة والأسطورة والسيرك وخيال الظل والحرف اليدوية التقليدية واليدوية والتاريخ المروي، وكل ما يتصل ويعبر عن ضمير الشعب وحساسيته وحيويته ووجدانه وتفكيره وأعراقه وتميزه.

 

ويشكل الأدب الشعبي عنصراً أساسياً في تكوين توفيق الحكيم، تفتح وعيه عليه، وتأثر به أكثر من تأثره بقراءته المتبحرة في التراث العربي والأدب العربي والآداب الغربية، كما يشكل هذا الأدب الشعبي ركناً قوياً في مشروعه الثقافي الذي ملأ حياتنا الثقافية والفنية بالإبداع الرفيع؛ ولأن الفنون الشعبية استهوت توفيق الحكيم في طفولته، فإنه يعتقد أن الأطفال أقدر من الكبار على التجاوب مع هذه الفنون، وعلى الحياة فيها وتقبل رموزها وأخيلتها من الكبار الذين يمحصون كل شيء، ويريدون الحقيقة كاملة ليس باعتبارها مادة بكراً، ولكن باعتبارها مضموناً ودلالة تتجاوز المعنى الحرفي.

 

ويذكر الباحث: “يرتبط اسم د. عبدالعزيز الأهواني في تاريخنا الثقافي الحديث بأبحاثه الرائدة في الأدب الأندلسي، وأهمها: رسالته للماجستير عن (الموشحات الأندلسية) التي قدمها لجامعة القاهرة في 1946.

 

وفي دراساته للتراث العربي والأدب الشعبي كان عبدالعزيز الأهواني يعتمد في نقد النصوص على الأدلة والبراهين، وليس على الظن، ويستفيد من كتابات الأوروبيين في إدراك ما في النصوص من صدق أو تكلف، ومن وهم أو حقيقة، مفرقاً بين القراءة والسماع، وبين المبدع المتحيز الذي يعبر عن رؤيته ومشاعره ومجتمعه، وبين المؤرخ الذي يسرد الأحداث والوقائع من الخارج سرداً محادياً في ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولم ينس قط أنه إزاء نص عربي، عاش صاحبه في تاريخه الهجري وإطاره الجغرافي، ولا بد لفهم هذا النص وكشف روحه على حقيقتها من معاشرته ومعاشرة اللون الأدبي الذي ينتمي إليه في لغته.

 

ويشير الكاتب إلى أحمد ضيف (1880 – 1945) قائلاً: يعتبر أحمد ضيف من أوائل الكتاب والنقاد الذين خرجوا في العقود الأولى من القرن الماضي على المفاهيم الأدبية التقليدية.

 

واهتمام أحمد ضيف بالأدب الشعبي، وإثارة الوعي بقيمته، والعمل على حمايته، يفصح عنه هذا الموقف في مجال الدراسة، ويأتي في سياق اهتمامه بتاريخ الأدب المصري منذ القرن التاسع عشر، وبتطلعه إلى إنشاء أدب قومي في خصائصه، يكشف اسرار الحياة وجمال الوجود، دون انفصال عن التراث العربي.

 

ولأحمد ضيف كتابات إبداعية في القصة، نطالع فيها الشخصية الشرقية، قضية الشرق والغرب، أو الروحانية والمادية، التي تناولها من الكتاب بعده توفيق الحكيم، يحيى حقي، الطيب صالح وغيرهم.

 

ومن هذه القصص التي تفيض بالمقارنات ما نشره أحمد ضيف في جريدة “السفور” في 1919 بعنوان “فلان وفلانة” و”قبل التعارف وبعده” ورواية “أنا الغريق”. كما ترجم أحمد ضيف إلى العربية لوزارة المعارف العمومية في 1933 رواية “هوراس” للشاعر الفرنسي كوزي، ووضع لها مقدمة عن حياة الشاعر ومسرحيته، عقد فيها مقارنة بين العمل المترجم ونصوص من التراث العربي.

 

وفي ختام هذا الكتاب، يشير الباحث إلى زكريا الحجاوي (1914 – 1975) قائلاً: يقترن اسم زكريا الحجاوي في تاريخنا الثقافي منذ أربعينيات القرن الماضي ولمدة ثلاثين عاماً، بالفرق الغنائية والاستعراضية التي أنشأها ورعاها بمقالاته وقصصه ودراساته الأدبية لفنون الشعبية.

 

ويذكر الذين عرفوا زكريا الحجاوي وتعاملوا معه أنه تحت تأثير عشقه لمصر والمصريين لم يكن يتوقف عن كشف المواهب الفنية على أرضها من كل الأعمار، وأنه كان يملك من الشعبية في الأحياء والمناطق التي عاش أو تجول فيها ما يستحق أن يروى، لأنه لم يفض مثلها لأحد غيره من المثقفين المعاصرين له الذين ارتبطوا بالشعب وفنونه.

 

يذكر أن كتاب “من ذاكرة الفلكلور” للكاتب نبيل فرج صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ويقع في نحو 153 صفحة من القطع الكبير.

 

المصدر: ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى