نجيبة الرفاعي: القراءة في حدّ ذاتها حافز على التفكير

الجسرة الثقافية الالكترونية-الخليج-
الماضي هو جزء من الذاكرة الإنسانية التي لا تنسى، ذلك لأنها مرتبطة بطفولة الفرد، هذه الطفولة المشرعة على الشغب، والشقاوة، واللعب، بمثل ما هي مرتبطة بالتربية والتعلم، وتلك العلاقة الشفيفة والسحرية، ما بين الطفل وذويه، وأيضا الطفل وأترابه . . . هي ذاكرة ممتدة، مفتوحة على المكان، على السهل، على الشارع، على البيت القديم، الذي يجاور بيت العمة أو الخالة أو الجد، ويسكن الحنايا ويفيض تذكراً ورقة وعذوبة .
كل هذه الأشياء تقدح فجأة في عقل ووجدان الكاتبة الإماراتية المتميزة نجيبة الرفاعي، التي تقول “نعم أفتقد رمضان ذلك الزمان، الذي كنا فيه كعائلات وأفراد قريبين جداً، هذا القرب الذي فرضته تضاريس المكان، وهو الحي القديم في إمارة عجمان حيث ولدت، البيوت كانت متلاصقة، والأولاد والبنات على مرمى ضحكة أو نداء، فيتقافزون في الشارع، كما هي الحكاية، وكما لو أنها السطر الأول في مدماك الرواية التي لم تكتب بعد” .
كان رمضان محرضاً على القراءة، ولاسيما القرآن الكريم، والكتب التي تقص عن الصحابة والمؤمنين، وكل ما له علاقة بالعبادات وأركان الإيمان، مثل هذه القراءات، مهمة كما يؤكد أكثر من مختص وناقد، ورغم أنها تستقي من نبع واحد، وهو إيماني صرف، كما تؤكد نجيبة الرفاعي، “إلا أنه يمكن تلمس آثارها لاحقاً، بالمعنى الإبداعي، وبكل ما تعني الكلمة، فالقراءة بحد ذاتها حافز على التفكير، والتفكير إحدى شرارات التأمل والمقارنة، وهذه وتلك تعني الاكتشاف، والاكتشاف هو خبرة متراكمة من الإبداع في مستواه الثقافي والفكري، في سعي الكاتب إذا ما تواصل مع القراءة ليبدع في الرواية والقصة والشعر، وفي مستويات أخرى فنية عديدة، كالرسم والمسرح وما شابههما” .
وقالت الرفاعي: “من جهة أخرى، ثمة ما له علاقة بتشكيل وعي الفرد، فكل جمل البساطة والتواضع والحب، التي يعكسها الشهر الفضيل في وجدان الأطفال، التي تعززها منظومة واسعة من السلوكات سواء الأقوال أو الأفعال التي تصدر عن كبار السن من الآباء والأجداد، كنا نراقبها بشدة، ونحاول تفسيرها والاقتداء بها، هنا يدخل الفرد مرحلة جديدة من مراحل الدهشة والإعجاب وربما الاقتداء والمقارنة، وهذه كلها من العلامات التي يمكن تلمسها أو دراسة آثارها الإيجابية لاحقاً” .
شكّل هذا الفضاء بالنسبة لنجيبة الرفاعي، مساحة مفتوحة على كل شيء، على رمضان بعاداته وطقوسه المتشابهة لدى الإماراتيين، كانت ساعة الإفطار، بالنسبة لي، كما تؤكد الرفاعي ساعة سحرية، لأنها تعني أشياء كثيرة، تشترك في قيمة واحدة بعيدة عن التصنع أو التكلف، وربما هذا ما يميز تلك الأيام، التي أعرف أنها لن تعود، ولكنها مؤثرة في معانيها وأحداثها، وباقية فيما تركته من أثر إيماني وخلقي وتربوي .
تتذكر نجيبة الرفاعي رمضان بكل معاني التلقائية، الجيران، والعائلات القريبة من بعضها، الكبار والصغار، ساعة الإفطار، وما بعد التراويح، لقاء الصغار في فناء كبير يواجه بيوت العائلة، سعي الجميع لزيارة المسجد وأداء التراويح، عودة الكبار إلى مجالسهم، وتسلل الصغار خصوصا الذكور إلى هذه المجالس، ومحاولة التقاط رأس حكاية يؤولونها كما يشاؤون .
إنه عالم شاسع، كما تؤكد الرفاعي، لا يمكن اختزاله بمقالة أو كتاب، “وبالنسبة لي شخصياً، فقد كان رمضان، كما هو بالنسبة لغيري من الأطفال، بمثابة شحنة كبيرة، في مستواها الإيماني والاجتماعي، وفي تداعياتها على شريحة كبيرة من الناس، يشكلون بيئة متناغمة متجانسة، كما هو حال تلك البيوت والساحات التي تتجاور كأنها جسد واحد بكل ما تعني الكلمة من معنى” .
العودة إلى رمضان في ذاكرة الكاتبة نجيبة الرفاعي، هي عودة غير مشروطة، لا قيود عليها، لأنها مخزنة في العقل، بمثل ما هي محسوسة في كل البياض الذي يشيع، سواء في طقسه الإيماني أو الاجتماعي، وهذا كله يعتبر مصدراً من مصادر الكتابة للمبدع، وخزيناً يمكن استدعاؤه كيفما اتفق، لأنه كتاب كبير يطوعه المبدع ويستشرف فضاءاته ويزيد عليه من خياله وقدرته على تحويل الفكرة إلى مادة قابلة للحياة، في هذا الزمن، الذي هو جميل أيضاً، ومريح، لكنه مشحون بالتوتر والألم والحزن .