ندرة دور النشر تهدد الحركة الأدبية

الجسرة الثقافية الالكترونية
*مصطفى عبد المنعم
المصدر: الراية
إن أردت أن تعلم الحقيقة انظر إلى جميع الزوايا واجمع صورة كاملة من هنا وهناك، وفي زاويتنا “زوايا” سنحرص في كل حلقة على تقديم قضيّة ما لنناقشها بطريقة مُختلفة ومن زوايا متعدّدة، حيث سنطرح أسئلة مختلفة على كل ضيف من ضيوف حلقتنا ولكنها جميعًا تتعلق بقضية واحدة ولكن من زوايا مختلفة.
وموضوع حلقتنا اليوم يدور حول ندوة دور النشر والشروط التي يواجهها الأدباء لإجازة أعمالهم للطباعة، حيث أشار عدد من الأدباء إلى أن حركة النشر تفتقر لموازنة خاصّة، كما أن عدم وجود دور نشر محليّة يُعرضهم للابتزاز، مُطالبين في الوقت نفسه بوضع معايير واضحة لحركة النشر، فمجال النشر محدود.
غياب المعايير
في البداية تقول الشاعرة الدكتورة زكية مال الله إن دولة قطر تعاني بشدّة من ندرة وجود دور نشر تسهم في نشر نتاج المُبدع القطري، وأضافت: إنها تتمنّى أن تجد أكثر من دار تعمل على نشر أعمالها خاصة أن لديها العديد من الكتب الجاهزة التي تنتظر الطباعة والنشر، لافتة إلى أن مجال النشر في قطر محدود، حيث إن دار بلومزبري موجودة ولكنها لا تُتيح العديد من الفرص للمُبدع القطري وحركة النشر فيها محدودة، ووزارة الثقافة والفنون والتراث أيضًا أصبحت لا توافق لجميع الكتّاب والمُبدعين على طباعة أعمالهم، فهناك لجنة توافق مرّة وترفض مراتٍ دون أن نعرف الأسباب، مؤكدة أن غياب معايير واضحة لرفض الكتب هو أمر مُحيّر.
وحول تجربتها الشخصيّة في هذا الأمر قالت أنا أضطر إلى طباعة جميع كتبي على نفقتي الخاصة في مطابع خارجيّة وتواجهني كذلك مشكلة التوزيع والنشر، ولهذا أتمنّى أن أرى دور نشر خاصة تحصل على دعم من الدولة وتُثري الحركة الأدبيّة بنشر الأعمال للمُبدعين المحليين، وأشارت مال الله إلى أن عدم وجود دور نشر في قطر لا ينبغي أن يُثنينا عن المضي قدمًا في عملية الإبداع وألا يؤثر على نتاجنا الأدبي.
ضياع للحقوق
بدوره قال الباحث والمؤرخ سلطان جاسم الجاسم إن هناك أزمة حقيقيّة تواجه المؤلف القطري، ونحن مُصابون بغصة في الحلق من هذا الأمر وهو ندرة دور النشر، فالمؤلف الذي يرغب في نشر أعماله الإبداعيّة لن يجد من يدعمه ولن يرى إلا وعودًا في الهواء، ولو وجدنا من يطبع أعمالنا فهم يهضمون حقوقنا ويمنحنا الفتات، الأمر الذي يضطرنا إلى اللجوء لنشر أعمالنا على نفقتنا الخاصة وفي أماكن خارج البلاد، وهناك أيضًا أمر بالغ الأهمية وهي عدم وجود لجنة أو جهة لحفظ حقوق المؤلف، وللأسف هذا الأمر يُعاني من العشوائية والفوضى، ودور النشر الموجودة حاليًا تنظر للأمر بشكل تجاري فقط ولا يهمّهم سوى الربح ويبخسون حق الكاتب، كما أنهم لا يستطيعون التمييز بين الكتب النادرة والثمينة والكتب التي لا تقدّم جديدًا ولا تحتوي على أي أمر جديد، فأنا أقوم بعمل كتب تراثيّة تحتوي على مخطوطات وصور نادرة ليست موجودة في أي مكان، فهل هذه الكتب تتساوى مع الكتب النادرة، وأكد الجاسم أن الكاتب القطري عندما يتوجّه إلى الجهات الرسميّة يضعون أمامه عشرات العقبات ويتحججون بعدم وجود ميزانيات لهذه الأعمال بالرغم من أننا نرى موازنات تنفق على أمور أقل بكثير من تشجيع حركة الطباعة والنشر، فالحفلات والجوانب الترفيهيّة تستحوذ على اهتمام المسؤولين أكثر من حركة النشر الأدبيّة.
دور نشر خارجية
الكاتب والأديب عيسى عبد الله يرى أن أزمة دور النشر لا ينبغي أن توقف المُبدع عن الإنتاج وعليه أن يستمرّ في تقديم نتاجه الأدبي وفقًا للمُتاح والمتوفر حوله، وأكد أن المُبدع المحلي لديه في قطر مؤسسة قطر للنشر – دار بلومزبري وأيضًا وزارة الثقافة التي تقوم بعملية نشر الأعمال الأدبيّة والكتب الثقافيّة، كما أن هذا ليس معناه وجوب نشر الأعمال عن طريق دور نشر مقرّها قطر، فهناك العديد من الكتّاب يقومون بنشر أعمالهم في دور نشر خارج نطاق دولتهم، فهنالك الكثير من المعايير التي تتبعها دور النشر في قبول الأعمال أو رفضها ليس لأمر شخصي وإنما هنالك سياسة معيّنة قد تتبعها دار النشر في نشر أعمالها كأن تكون مختصّة في الكتب العلمية فقط أو في أدب الصغار أو ما شابه، أو أن يكون لها مجال محدد تهتمّ به وهذا المجال لا يتوافق مع كتابات المُبدع أو مجاله، وفي مثل هذه الأمور على الكاتب أن يبحث عن دور أخرى ويجب عليه تقبّل الرفض برحابة صدر وأن يستمرّ في البحث عن دار النشر المُناسبة له.
ابتزاز للكاتب
من جانبها قالت الروائيّة حنان الشرشني مؤلفة كتاب “أسرار فتاة قطرية” إن عدم وجود دور نشر محلية فاعلة أمر يُصيب الكاتب القطري بالإحباط ويجعله عرضة لابتزاز دور النشر الخارجية التي تستغلّ الظروف وتُغالي في طلباتها وشروطها لنشر أعمال الكتّاب الذين يأتون إليهم من الخارج، وأكدت الشرشني أن زيادة دور النشر في قطر ستُسهم بالطبع في زيادة حركة التأليف وستسهم في تشجيع الموهوبين المحليين لتقديم نتاجهم الأدبي والفكري، وقالت إن زيادة دور النشر مسؤولية مشتركة بين القطاعين الخاص والعام، خاصة أن الأمر تحوّل إلى تجارة رائجة تعود بالفائدة على الناشر وعلى المؤلف وعلى المجتمع، وتمنّت أن تكون هناك دور نشر وطنيّة تُجنّب الكاتب الكثير من المشاق في رحلة البحث عن ناشر ثقة، وحول تجربتها الشخصية قالت: لقد اضطررت إلى طباعة كتابي ونشره من قِبل دار نشر خارج قطر بعد أن وجدت جميع الأبواب المحليّة موصدة، ولفتت إلى أنها خاطبت دار بلومزبري قطر للنشر لترجمة عملها ولكنها لم تجد أي تشجيع، وتعجبت من قيام هذه الدار بطباعة ونشر وترجمة أعمال العديد من الكتّاب غير القطريين، ولكن للأسف الشديد لا يقدّمون أي نوع من التشجيع والدعم للكتاب القطريين، وتطرقت الشرشني إلى أن وجود دور نشر قطريّة سيحدّ كثيرًا من ظاهرة لجوء البعض إلى نشر أعمال ليست على المستوى ولكن فقط من أجل أن يصيروا كتابًا ومؤلفين، وأوضحت أن هناك من يدفعون أموالاً لدور نشر من أجل نشر أعمال أقل ما توصف به أنها تافهة، وأردفت: أما لو كان لدينا العديد من دور النشر فهذا سيخلق حالة من الحراك والإبداع في المجتمع.