ندى كانو تدخل عالم «أليس» السحري بالرقص والموسيقى

الجسرة الثقافية الالكترونية

*عبده وازن

المصدر: الحياة

 

يمثل «مشروع بيروت للرقص»، الذي تقوده الراقصة والمصممة ندى كانو مع مجموعة من الناشطات في حلقة السوسيو-ثقافة إحدى المبادرات الفنية التي تحتاج بيروت إليها لا سيما في هذه المرحلة المأزومة. يترسخ المشروع الرائد، منذ عام 2009، في اعتبار الموسيقى لغة عالمية تتخطى فروق القوميات والعرقيات والأديان، تتقاطع مع الرقص في شطب المعوقات الطبقية والعنصرية، فينصهر الراقصون والراقصات في مسرح الرقص التعبيري الذي ينفتح على عولمة من نوع اجتماعي جديد، فيوحد الرقص ما فرقه المجتمع. فالمشروع قدّم فرصة التعبير الراقص لأكثر من 190 طفلاً، يعانون ظروفاً اجتماعية قاسية، وهم انخرطوا في فرقة للرقص الكلاسيكي.

من هذه المبادئ المبسّطة يجمع «مشروع بيروت للرقص»فتياناً وفتيات من بيئات مختلفة، ومتناقضة في الأصل، أو متضاربة في مدينة لم تمسح من ذاكرتها آثار المعارك والحروب، فيجتمع هؤلاء في دائرة متجانسة، تتقاطع فيها اللغة الموسيقية والتعبير الجسدي، تدير لقاءاتهم سيدات مؤمنات بالرقص كقوة توحيد اجتماعي، فيومّن ماديات اللقاء المميز، لتتفرّغ الفنانة ندى كانو إلى تأسيس نواة شبابية تجنح إلى الاحتراف.

الراقـــــصون والراقــــصات المنـــدمجـــون والمندمجات في المسرح الواحد، وفي الحركة التعبيرية المتآلفة، يتقاربون بعفوية أداء المهمة الواحدة، وفي هذه المغامرة من الأهمية ما يدفع مؤسسات أهلية وخاصة إلى تبنيها، وإن كان التبني لا يزال في طور التكوّن.

ربما لهذه الأسباب اختارت ندى كانو لعرضها الجديد قصة «أليس في بلاد العجائب» المبهرة بأجوائها وشخصياتها ومساراتها الملوّنة بالبسمة والدمعة، وهي قصة كتبها الإنكليزي لويس كارول عام 1865، في حبكة كلاسيكية تتوخى الدهشة والإبهار في عالم فنون العرض، للأطفال والبالغين في آن واحد.

تمثل «أليس» محاولة لتخطي الذات والمكان، فهي أصلاً في عطلة صيفية، تستمع إلى شقيقتها تقرأ قصة في كتاب، فمرّ قُبالتَها أرنبٌ أبيض، مسرعاً ينظر دوماً إلى ساعته. فجأة، دخل الأرنب إلى حجره. «أليس» الفضوليّة ركضت خلفه، ودخلت جُحره، لتشاهد فيه عالماً عجيباً ومدهشاً. إنها فعلاً في بلد العجائب، التقت بمخلوقات غريبة، كالملكة الحمراء، وصانع القبعات… لم تتفاجأ أليس بما لم تتوقعه في هذه البلاد العجيبة، لم تهتم بهذه المفاجآت. استغلت قدراتها الذاتية لتساعد المخلوقات العجيبة، وبقدر سعادتها المتناهية، سألت نفسها متى ستعود إلى حياتها الطبيعية في عالمها الأصلي؟ فهل ستجد أليس طريق العودة والخلاص أم أن ما تعيشه مجرد حلم…!؟

هذه القصة جسدتها ندى كانو في تعابير حركية نفذها أكثر من عشرين راقصاً وراقصة في مسرح «مونو» في بيروت (يستمر إلى 29 كانون الأول -ديسمبر) في إطار «قسم التدريب المحترف» المنبثق من «مشروع بيروت للرقص». نجح التصميم في دمج المحترف والمتدرّب في مساحة واحدة، تعبُرُ في فضاء الرقص تناقضات في الأداء، إلا أن ندى كانو فرضت في توزيعها الأدوار تلازماً وتناغماً في المستوى الذي يقترب من الاحتراف.

فالحركة الراقصة لا تهدأ في التعبير عن طواعية الجسد في البوح، يساعده مصمم الأزياء باتريك فرح الذي أدخل ألواناً زاهية إلى الملابس من دون أن تطغى على أصل الحركة الجسدية في التعبير الصادق والعفوي، خصوصاً أنّ راقصين محترفين كجوانا عون وشادي عون وجانين يونس وفرح سلامه ونغم جابر وأندريا معلوف تفاعلوا مع راقصين هواة بدأوا منذ سنة تقريباً، واندمجت ظلالهم في لعبة سينماتوغرافية سهلت ولوج عالم «أليس في بلاد العجائب».

تبقى قيمة العرض في أجوائه الجميلة، وفي احترافيته، وفي تماثله مع عروض عالمية لقصة «أليس في بلاد العجائب»، وتكمن القيمة الأكبر في قدرة كانو على تطويع الأجساد المبتدئة في شكل صارم ودقيق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى