نسائم الثقافة والأدب تهب على ‘ليالي المهدية’

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

شمس الدين العوني

 

حرصت جمعية مهرجان ليالي المهدية على أن يكون برنامج الدورة 40 للتظاهرة متعدد الألوان الثقافية والفنية والأدبية بالنظر لعراقة الفعالية وطبيعة العلاقة مع الجمهور ورواد الفعل الثقافي بعاصمة الفاطميين وقد بين السيد عبدالسلام غراد مدير الدورة أهمية ان تكون الانطلاقة للمهرجان عبر شوارع وساحات المدينة تفعيلا للتواصل مع الجمهور وعامة الناس اضافة الى التعريف والدعاية لهذه الدورة ذات النوعية الابداعية والثقافية من خلال البرمجة المخصوصة و ذلك بدعم من المندوبية الجهوية للثقافة بالمهدية.

 

الهيئة المديرة للمهرجان أعدت الاستحقاقات اللازمة لمختلف العروض ضمن البرنامج العام في سبيل النجاح و التألق للدورة .

 

في البرنامج عدد من العروض الفنية و المسرحية منها سهرة الفنانة ألفة بن رمضان بفضاء و عرض الفنانة شهرزاد هلال و عرض الفنان أحمد الشريف و سهرة الفنان الشعبي وليد التونسي ليوم 17 اب/اغسطس، وسهرة الفنان “بلطي” ليوم 18 اب/اغسطس.

 

في المسرح نجد عروضا لمسرحيات مثل “كعب الغزال” و”العفشة” لوجيهة الجندوبي و “مايد ان تونيزيا ” للطفي العبدلي ليوم 15 أب/اغسطس المقبل بينما يكون الموعد ليوم 16 اب/اغسطس مخصصا لتقديم رواية “الطلياني” للكاتب شكري المبخوت الفائز بجائزة “البوكر” العربية و جائزتي الكومار و معرض تونس الدولي للكتاب بتونس مؤخرا.

 

هذا الى جانب العروض السينمائية والسهرات التنشيطية للأطفال مثل عرض “عمي بشبوش” وشيوخ الحضرة بالمهدية والسهرة “المهدوية” ويكون الاختتام مع عرض “الزيارة ” وذلك خلال سهرة 20 اب/اغسطس.

 

الشعر كان حاضرا خلال سهرة يوم 9 أب/اغسطس وهو رهان من هيئة المهرجان على الكلمة و دورها الجمالي ضمن الفنون ويبرز ذلك أيضا من خلال اللقاء الممتاز للاحتفاء بـ”الطلياني” الأثر الروائي لكاتب مثابر ومثقف وهو الدكتور شكري المبخوت الذي قدم الاضافة للمدونة الروائية والسردية عموما في تونس و في البلاد العربية حيث يترجم العمل و يوزع على نطاق واسع وقد أثار مجالا واسعا للجدل والكتابة في المشهد السردي العربي و الدولي .

 

وفي هذا الخصوص كتب أحمد إبراهيم الشريف “فى كل سنة تثير جائزة البوكر العربية جدلا كبيرا هذا الجدل يتجاوز فكرة الرواية الفائزة لمحاولة منطق الاختيار، يذهب البعض للمحاصصة ويذهب آخرون للإثارة وتتحضن لجنة التحكيم خلف “الرؤية النسبية”، لكن العام 2015 كان الجدل غريبا فاختيار رواية “الطليانى” للكاتب التونسى شكرى المبخوت صدمت كثيرا من المتابعين فالرواية ليست الأجمل ولا الأكثر حبكة بين الروايات المرشحة. فعندما سألت المذيعة فى أحد البرامج الحوارية الروائى التونسى شكرى المبخوت عن روايته الحاصلة على جائزة البوكر وعن أحداثها هل هذه حكايات حقيقية، قال لها فى لهجة تونسية محببة ليست مهمة هذا الحكايات إنما المهم هو “الخيال”.. فتعجبت إذ أن رواية “الطليانى” لـ”شكرى المبخوت” رواية بها كل شىء إلا “الخيال”.

 

ونقص الخيال ليس اتهاما جاهزا نلصقه بالكتابات، لكن الأمر له حيثيات كثيرة، منها أن “الطليانى” رواية لا تثير حزنا أو فرحا، تمر الأحداث وتتالى دون أن تورطك معها بالحب ولا بالكراهية دون أن تجعلك جزءا من الحكاية، دون أى أثر عاطفى، فلا تجد نفسك تشبه شخصية “عبدالناصر” بطل الرواية ولا تخشى عليه ولا تتمنى نجاحه أو فشله، أنت فقط تقرأ ربما تريد أن تعرف كم امرأة التقاها “عبد الناصر” وهل سلمت له كل واحدة جسدها بهذه السهولة المبالغة، فلا يحزنك حزنه وارتباكه ولا تتمنى إزالة العقبات التى يلتقيها.

 

كما أنه يمكنك فى الرواية أن تتوقف فى أى وقت وتغيب أياما ثم تعود دون أن ينقص ذلك من شعورك بالرواية، تتحرك الرواية للأمام فى سهولة، غرضها الرئيسى كشف الفترة الزمنية التى يتحدث عنها فيستخدم شخصياته لذلك، لكنهم ليسوا الأصل الذى يسعى لتتبعه، الشخصيات فى الرواية هى مجرد “عرائس ماريونيت” معلق عليها “حدث” فى يوم كذا وعام كذا.

 

لا يوجد ابتكار فى أى شخصية، فـ”عبد الناصر” كتبه “شكرى المبخوت” كما يكون اليسارى “الحنجورى” الذى يملك “هيئة” تصلح أن تكون واجهة لشيء ما، يسارى فى “الجامعة” وفقط، لم يشأ أن يدخله السجن مثلا وأن يعتقل فتتعمق “الشخصية” لديه، وتصبح رؤيته للأشياء مغايرة، أصبح مجرد رجل أعجبته مجموعة من الأفكار فادعاها، واستفاد منها، وفى الوقت نفسه لم يقل “شكرى المبخوت” ذلك، بل دافع كثيرا عن “يسارية عبد الناصر”، وهذه اليسارية غير المكتملة مرت فى نموذج ربما “هرسته الأفلام العربى 3000 مرة”.

 

من ناحية أخرى جاء فى حيثيات فوز “الطليانى” بـ”البوكر”، أن شخصية ” زينة” جديدة على الأدب العربى، لكن فى الحقيقة عندما تقرأها وتقلب فيها لا تجد، أى جديد، إنها صورتنا “الشعبية” عن بنات القرى “المثقفات” فكل تصرفاتها متوقعة، ابنة قرية فقيرة مثقفة تعرضت لمشكلة ما فى صغرها “مشكلة متوقعة جدا اغتصابها وهى طفلة”، لذا هى مصرة على النجاح وتحقيق ذاتها، فتتحرك بنصف قلب ونصف روح طوال الوقت، نموذج تقليدي رأيته أو تخيلته ألف مرة، لم أحبها، وعندما انتهى دورها فى الرواية وغادرت لم تترك أثرا، كما أن رمزها “مفضوح” جدا فهى دليل على مرحلة “بورقيبة”.

 

لكن يظل الرمز الأكثر غرابة فى الرواية والذي يمثل خللا فى بناء الشخصيات يكمن فى “نجلاء” صديقة زينة التي أقامت علاقة “جسدية” مع عبدالناصر وهو زوج صديقتها، لكن بعد طلاقه من “زينة” بحيث أصبح من السهل التقارب بينهما فجأة عملت “عاهرة” بدون مقدمات، كل ذلك ليربط بينها وبين زمن “بن على” فهى وعبد الناصر التقيتا “جسديا” فى ليلة ما أسماه عبدالناصر “انقلابا” من “بن على” على “بورقيبة” ولما أراد أن يصور مستقبل “بن على” جعل “نجلاء” الرمز تعمل “عاهرة” فجأة، بدون بناء الشخصية وتهيئتها لذلك.

 

فى كلمة مريد البرغوثى فى إعلان اسم الرواية الفائزة قال بأن الروايات ليست قاعات محاضرات ومع هذا تجد أن شكرى المبخوت كانت لديه معلومات كثيرة، ويعرف الصراع الطلابى فى تونس جيدا وربما كان جزءا منه لأنه تقريبا فى عمر “عبد الناصر” ويعرف أن انفلات شخصية البطل وتعلقه بالنساء سيجذب عددا أكبر من القراء، وقد ألحت عليه هذه المعلومات الكثيرة وهذه التواريخ التي يحفظها فكتب رواية “الطليانى” التى أفسدتها “منهجيته” فى النقد الأكاديمى الذى يحترفه أيضا، فخرجت رواية منزوعة الخيال”.

 

اذن المهرجان الصيفي بالمهدية يفسح المجال لمزيد الحوار والجدل بخصوص عمل الكاتب المميز شكري المبخوت ضمن فعاليات هذه الدورة خدمة للثقافة الوطنية وتعميقا للحوار الأدبي وهذا رهان “مهدوي” صريح على الأدب. ومن قال ان المهرجانات الصيفية تمقت الأدب.

 

المصدر: ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى