نور الدين الصايل الفيلسوف والمثقف ومحلل السينما

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-

فتحت «وزارة الاتصال المغربية» باب الترشيح لشغل منصب مدير «المركز السينمائي المغربي». وضع بيان الوزارة شروطاً استثنائية في من يترشّح، وحدّدت أجلاً. اندلع جدل حول هذا القرار، الذي بُرِّر ببلوغ الصايل سنّ التقاعد، علماً بأنه بلغها منذ ٦ أعوام. الأمر الخطير كامنٌ في أن هذا الأمر جاء بعد تقاعد الكاتب العام للمركز، ما يُعدّ ضربة لاستمرارية الإدارة.

أثار الحدث رجّةً في المشهد السينمائي المغربي، وصلت أصداؤه إلى خارج المغرب. كتبت جريدة تونسية عن «حملة إخوانية للإطاحة برجل السينما المغربية». راج احتمال إقالة الصايل للمرّة الأولى بعد فوز الإسلاميين في انتخابات تشرين الثاني 2011. زاد الاحتمال حين صدرت المراسيم التطبيقية للدستور بعد الربيع العربي الأمازيغي. مراسيم حدّدت المناصب التي يعود أمر التعيينات فيها للرئيس الإسلامي للحكومة. تجاهل الإسلاميون ذلك لتبريد الأجواء، مع التذكير بأن الصايل موظّف كغيره. الحقيقة أن الصايل رمزٌ للتوجّه الحداثي المتحرّر في الفن، ما يسمّيه الإسلاميون «الانحلال».

تأخّر تغيير إدارة «المركز السينمائي المغربي». كان يُطبخ على مراحل، في ظلّ جدل واسع. كشفت مخرجة مغربية أن المخرج المغربي حكيم بلعباس أسرّ لها، في العام 2013 في أبو ظبي، أنه «قد» يقبل تولّي منصب مدير المركز. هكذا، ظهر أن الشخص الذي وُضِعت الشروط على مقاسه انتقل للعمل في الدوحة، ولم يقدّم ترشيحه.

الحلّ؟ مدّدت الوزارة أجل تلقّي الترشيحات، ولم تراجع الشروط. لنور الدين الصايل أعداء كثيرون، خصوصاً ضمن التيار المحافظ في المجتمع. كتب الصحافي حميد زايد مقالا ساخرا بعنوان «المهنة شتم نور الدين الصايل»، تساءل فيه: ماذا سيفعل أعداء الصايل عندما يرحل؟ على من سيسدّدون سهامهم؟ للصايل خصوم من الأنواع كلّها. أخطرهم الذين يبجّلونه في العلن، وينتقدونه في الدردشات. في جدل مع أحد هؤلاء المنتمين إلى تلك الطينة، اتّهمني بالدفاع عن الصايل. قلتُ له إن الصايل متحدّثٌ بارع عن السينما. قال إنه لم يكتب كثيراً. أجبت: «لديّ معيار لكشف الناقد السينمائي الحقيقي. يمكن أن تعرض عليه فيلماً، وتطلب منه التحدّث عنه نصف ساعة بعد العرض. 90 بالمئة من النقاد السينمائيين لن يخرجوا أحياء من هذه التجربة. الصايل سيخرج. ما رأيك أن تجرّب أنت؟». صمت.

نور الدين الصايل شخصية سينمائية دولية. حقّق طفرة في السينما المغربية بالأرقام، وليس بشكل إنشائي. بين العامين 1957 و2003، أنتج المغرب 134 فيلماً، بينما أنتج 154 فيلماً بين العامين 2004 و2014. أنتج أكثر من نصف الـ«فيلموغرافيا» المغربية في الأعوام العشرة الأخيرة، أي في عهد الصايل. للصايل صلة قوية بالقصر الملكي. الملك محمد السادس عاشقٌ كبير للسينما. يحتضن المغرب 60 مهرجاناً سينمائياً، أبرزها وأهمها «مهرجان مراكش الدولي»، وصولاً إلى أصغرها في مدن هامشية. لهذا الاعتبار دورٌ في تطوّرات الملف.

استمعت لنور الدين الصايل للمرّة الأخيرة في «مهرجان مراكش»، أثناء حواره مع ريجيس دوبريه حول كتابه عن الصورة. عبّر دوبرييه عن إعجابه بفيلم «أفاتار» لجيمس كاميرون، حيث المؤثرات البصرية مدهشة. ردّ الصايل بأن عيون أبطال «أفاتار» غير معبّرة. في مناقشة في «جامعة مراكش»، سألَتْ شابةٌ الصايل: «لماذا يظهر نهد امرأة في فيلم مغربي؟»، أجابها: «لأن للمرأة المغربية نهدا».

من يقرأ سيرة الصايل يُصَب بالخوف من طول نَفَس هذا الرجل. مع ذلك، لا يوجد حلّ وسط بين خصوم الصايل وأنصاره. له صورتان: صورة جديدة تولّدت خلال الاعوام الخمسة عشر الأخيرة من عاملين، الأول رئاسته «القناة الثانية»، والثانية صعود التيار الإسلامي، وسيطرته على الخطاب العام. شكّلت الجرائد والمواقع الإلكترونية صورة معيّنة له. عمله مديراً للتلفزيون غطّى على صلته بالسينما. صورة أخرى أصلية، تشكّلت بين العامين 1970 و1990. تشكّلت الصورة الجديدة للصايل من خلال ما كتبته الجرائد في الأعوام العشرة الأخيرة. الصايل سبب الانحلال الذي تبثّه «القناة الثانية»، لأنه كان مديراً لها. سبب قلّة الحياء نظراً إلى مواضيع الأفلام السينمائية التي تموّلها لجنة الدعم في «المركز السينمائي المغربي». هو رمز الفساد، وقد سمح لزوجته بالظهور عارية على غلاف مجلة. الذين صنعوا هذه الصورة سيخرجون الآن بالسكاكين لتوديعه، وليستقبلوا المدير الجديد بالورود، لأن أيامه أقبلت، ولديه ما يعطيه.

لنتحدّث الآن عن الصورة الحقيقية للصايل: حامل ديبلوم الدراسات العليا في الفلسفة. عمل أستاذاً، ثم مفتّشاً للمادة بالرباط في العام 1975. أسّس وترأّس «الجامعة الوطنية للأندية السينمائية» (1973 ـ 1983)، علماً بأنه منذ مغادرته إياها، تعثّرت. إنه الفيلسوف والمثقف ومحلّل السينما. هذه الحركة مكّنت المغرب من نخبة تنتج أفلاماً وخطاباً سينمائياً. لهذا، هناك مؤسّسات مغربية تنفق 100 مليون يورو لا صوت ولا حسّ ولا خبر لها. بينما هناك 6 ملايين يورو من «صندوق الدعم السينمائي» تخلق حركة ثقافية شديدة الحيوية.

الاعتراف بالجميل لرجل من هذا العيار فضيلة . لكن الاعتراف في هذه المرحلة مشكلة، لأن الذين تسألهم عنه يخافون إغضاب المدير القادم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى