«نوستالجيا» نسائية في غاليري جنين ربيز في بيروت محاولات لالتقاط أمكنة الحنين وومضات أحلام الطفولة

الجسرة الثقافية الالكترونية

زهور مرعي –

 Nostalgic Imageryعنوان المعرض الذي جمع اربع فنانات من جيل الشباب، ولدن في عقد الثمانينات من القرن الماضي. كاليري جنين ربيز في بيروت أرادت للحنين الذي يتغلغل في عقول جميع البشر أن يتجسد تعبيراً فنياً. وهكذا كانت الفنانات داليا بعاصيري، شفا غدار، ريما مارون ولورا فرعون جاهزات للتعبير عن هذه الثيمة، وكان المعرض الذي بدأ في 10 أيلول/ سبتمبر ويستمر حتى 17 تشرين الأول/ أكتوبر.
هي مشاعر «النوستالجيا» التي لا تكلّ من الحفر في حنايا القلوب. ولأن المراحل التي مرّت من المستحيل أن نعيشها من جديد، فالحنين إليها يبقى في المخيلة ويأبى مغادرتها. هي مشاهد من عمر مضى يداهمنا كما الومضات محفوف بالغموض سيذكرنا غالباً بالطفولة، تلك المرحلة التي تشبه الكنز نتمسك بها بقوة، ونرفض مغادرتها.
في معرض الـ «نوستالجيا» النسائية كما شاءت الصدفة ربما، حاولت الفنانات الأربع استكشاف صورهن الشخصية، فعدن إلى زمن مضى عبر اعمال فنية مختلفة في أسلوبها. وكل من تلك الفنانات عبرت عن خصوصيتها مع الـ «نوستالجيا»، وكل منهن ابحرت عميقاً في ذاكرتها، واستخلصت ما يعنيها من جوف تلك الذاكرة.
أطلقت شفا غدّار على مشاركتها في المعرض تعبير (Undergrowth). الفنانة المنشغلة في الحياة المهنية بوضع اللمسات التجميلية الأخيرة على الأبنية، شوه الانتشار العمراني ذاكرتها وبالتالي ذلك الحنين الذي تختزنه لدساكر طفولتها.
وهكذا عبّرت غدّار عبر جمع بين الصورة الفوتوغرافية لمنظر طبيعي وبين كتلة من الجبس.
هي تلال ومساحات من الجبس ربما تعني من خلاله تلك الكتل الخراسانية التي انتهكت عذرية أمكنة طفولتها وشوهتها. ولأن ذاكرة غدّار متألمة من المشاهد الجديدة التي احتلت زمن الماضي ومكانه، بقيت اللوحات التي شاهدناها بلون باهت حتى لو شغلته صورة خلفية لعفوية الطبيعة.
لقد حوّلت غدّار الصورة الفوتوغرافية إلى طبيعة أخرى. لوحة غدّار الصغيرة الحجم أظهرت الطبيعة وكأنها تتمزق، أو كأنها على قاب قوسين من العاصفة.
تميزت داليا بعاصيري بالتقاطها للحظة وتقديمها بشكل فني يجمع بين الحنين لما مضى- وهو ليس بعيد في الزمن- وبين الحاضر. بعاصيري ابنة مدينة صيدا احترق منزلها فيما عرف بمعركة «الشيخ الأسير» في عبرا.
دخلته في وقت كانت أيدي النسوة تعمل لتنظيفه. ومعهن تمكنت، وكذلك من خلال عفوية الحريق من رسم ظلال الحريق المرعب، الذي يأكل الذكريات ويحولها إلى رماد. بعاصيري التي وجدت في منزلها مرسماً جماعياً يحتل السقوف والجدران، جمعت في لوحاتها بين ثنائية العفوي والمقصود معاً، وطعمتهما بالخيال. وهكذا كنا مع جدارية للحريق الذي ترك آثاره في كل مكان، وللرصاصة التي اخترقت الجدار. ولأن فعل اخماد الحريق ساهم بدوره بتشكيل اللوحة الطبيعية، والأمر عينه تكرر مع فعل التنظيف، كانت عصى المسح تتصدر الجدارية تلك.
وفي لوحة أخرى كان للحريق الذي تغلغل دخانه ما بين صورة العائلة والزجاج الذي يحميها أن يشكل شجرة العائلة تلقائياً في خلفية الصورة. بعاصيري اشتغلت بجمالية واضحة على المزج بين عفوية المشهد وتدخلها به كمحترفة لعملها.
لوحتان فقط شاركت فيهما لورا فرعون جاءتا بشكل مربع وآخر مستطيل وكبيرتا القياس. لوحة سمتها اللون الأبيض، والأخرى سمتها اللون الزهري. وهما معاً ينتميان لفعل التجريد مع التركيب. في الأولى كانت بقايا أوراق أكثر قدرة على تقديم شكل مع نتوءات ظاهرة. وفي الثانية كانت الأوراق على جانب أكبر من الطواعية وأقل بروزاً.
في الأولى زين اللون الأسود اللوحة البيضاء، فيما اللوحة الثانية حملت نقاط الوان متفرقة كأنها نجوم تبحث عن اطلالة شبه مستحيلة على الأرض. اللونان الأبيض والزهري شكلا في عمل لورا فرعون تلك الرغبة بما هو أفضل مما مرّ من الزمن. فلورا فرعون تقول أن اعمالها الفنية تحددها صراعات المنطقة التي نعيش فيها والتي لا تنتهي.
وقد تكون الوانها ونتوءات لوحاتها فعل مقاومة للغة الحرب التي تقضي على أي مكان للحنين. وقد تكون لوحاتها متأتية من سياق الفوضى المتأصلة نتيجة الصراعات التي تتوالد من رحم بعضها البعض.
سبعة اعمال شاركت بها ريما مارون تحت عنوان (Disambiguation) ما هو الغموض الذي رغبت الفنانة بإزالته؟! إنها الذاكرة التي تداهم فرعون على شكل ومضات، لكنها تعجز من تحديدها. لذا يلف اعمالها نوع من ضباب يخفي معالم الاشياء والأمكنة. هو انعدام الرؤية عينه الذي يحتل ذاكرة الفنانة دون أن تتمكن من تحديد اشياء الحنين الذي يؤرقها. ترسم معالم لوحتها بألوان خريفية داكنة، وهذا ما يشبه ذاكرتها التي بالكاد تلتقط المشهد الذي يهرب منها قبل أن يرسخ من جديد في مخيلتها. هي بكل تأكيد الأشكال أو الصور التي تأتي وتذهب سريعاً، كما الحلم.
معرض (Nostalgic Imagery) شكل تنوعاً في اشكال الحنين، وبقيت العائلة والبيت مصدراً لهذا الحنين، والصورة الخلفية لكل لحظة مرّت دون ارتواء منها، ولكل مكان ترك رائحته في الدورة الدموية للفرد

القدس العربي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى