هل تيتّمت القضيّة الفلسطينيّة درامياً؟ ومَن يحمل لواءها بعد الدراما السورية؟

الجسرة الثقافية الالكترونية
*اروى الباشا
المصدر / القدس العربي
لا بواكيَ بعد اليوم للقضية الفلسطينية على ساحات الدراما العربيّة، والحديث هنا عن الهزّة العنيفة التي تعرّضت لها الدراما السورية بعد انطلاق الثورة، وليس الحديث هنا بالمطلق عن التّبني الواعي وغير المسيّس في ثنايا الدراما السورية للقضيّة.
الدراما السورية التي كانت الحامل الأوّل للواء القضية الفلسطينية.. يبدو أيضاً أنّها ستكون الحامل الأخير لها فلا يوجد أي عمل عربي التفت للقضيّة مؤخّراً، وفي ظل الحدث الساخن جداً الذي تعيشه سوريا اليوم لم تعد دراما البلاد قادرة أكثر على المضي في تبنّي القضيّة في أعمالها، لتغيب تلك الأعمال عن الدراما السورية كليّاً منذ أكثر من أربع سنوات ولتغدو القضية يتيمة درامياً.. فمَن يحمل لواء القضية الفلسطينية بعد الدراما السورية؟
الناقد الدرامي ماهر منصور يقول «القضية الفلسطينية ظهرت بدايةً بتبنّي إنتاجي من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، والقطاع العام الحكومي في سورية والأردن، ثم القطاع الخاص، ولكنها ظلّت في كل مرة، رغم ذلك، مشاريع شخصية، أمّا في الدراما العربية فقد ظهرت القضية الفلسطينية بحدّها الأدنى، حتى في أكثر الأيام استقراراً في الوطن العربي، وبالتالي كان حضورها أقلّ من أن يترك أثراً، وغيابها أضعف من أن يحدث فراغاً»، ويضيف «وبكل الأحوال لا يصح الحديث عن اندثار كامل لفلسطين في الدراما العربية، هي ربما تغيب كموضوع رئيسي لمسلسل، ولكن أي نص درامي واقعي يتناول الفترة الزمنية من الخمسينيات إلى تسعينيات القرن الفائت لا يمكن إلا أن تظهر القضية الفلسطينية في حيوات أبطاله، ولكن أين هذا النص؟».
فيما يشير منصور إلى أنّ الرّؤية الجديدة التي تحتاجها القضية الفلسطينيّة،هي الرؤية الحقيقية للشعب الفلسطيني بحضوره الإنساني العادي لا الأسطوري المُفترض، فهذا شعب يصنع الحياة، ولا أحد يشبهه، وفي تفاصيله الصّغيرة العادية، تجارب إنسانية تستحق أن يُحتفى بها، بعد أن غيّبتها نشرات الأخبار لصالح صورة تغرق بالدم والدّخان.
ويبدو إنتاج أعمال في الداخل الفلسطيني أمر يشبه المعجزات في ظل غياب الدّعم الإنتاجي والمادي، عمّار التلاوي مخرج مسلسل «الروح» الذي تمّ إنتاجه في غزّة يؤكّد أنّهم كفريق عمل كانوا يجازفون بأنفسهم، في كل مرّة كانوا يخرجون فيها إلى التصوير، وأنّهم تعرّضوا للاستهداف من قبل القوّات الإسرائيليّة أكثر من مرّة، لدرجة أنّهم كانوا يخرجون وهم مسلّحين أثناء التّصوير.
الفنانة السّورية كندة علّوش والتي كان لها أطلالات قويّة ضمن أعمال القضيّة، كانت مقنعة بأدائها لدرجة أنّ الجمهور كان يعتقد أنّها تنحدر من أصول فلسطينية، نجمة «الاجتياح» وفيلم «الغرباء»، وفيلم «ولاد العم»، تعتبر أنّ الوجع كان فلسطينياً فقط قبل الأحداث السياسية في العالم العربي، وبالتالي كان التّركيز على معاناة الفلسطينيين، أمّا اليوم فكل بلد مشغول بهمومه، معتبرةً أنّ أعمال القضيّة من الممكن أن تغيب لفترة وتعود ثانيةً.
الفنانة السورية الفلسطينية الأصل ندين سلامة تقول إنّ «الدراما السورية كانت الأكثر دفاعاً عن القضية الفلسطينية، ولكن الحدث الساخن السوري كان له أثره في طبيعة المواضيع التي أصبحت تُطرح، غير منكرة أنّ الدراما السورية خسرت شيئاً من رونقها بتغييبها للقضيّة في أعمالها».
يشار إلى أنّ مسلسل «عزالدين القسام» كان باكورة الأعمال التي تناولت القضية الفلسطينية، ويعود إلى سنة 1980، وكان الإخراج بتوقيع المخرج السوري هيثم حقّي، وبعد انقطاع طويل دام لحوالي خمسة عشر عاماً أنتج مسلسل «نهارات الدفلى» إخراج أحمد زاهر سليمان، لتتوالى بعدها أعمال القضية مثل مسلسل «الشتات» إخراج مصطفى عزمي، ومسلسل «الدرب الطويل» إخراج صلاح أبو هنود، فيما شهدت سنة 2004 إنتاج المسلسل الأبرز في هذا المجال ألا وهو «التغريبة الفلسطينية» الذي حمل توقيع المخرج السوري حاتم علي.
بالعموم لم تكن الدراما العربيّة أكثر تحمّلاً من نشرات الأخبار في استمرار تبنّي القضية الفلسطينية في أعمالها، لترجَح كفّة الثّورات العربية المشتعلة سياسيّاً وفنيّاً وتتصدّر كل المشاهد، وتنطفئ بالمقابل شعلة الاهتمام بالقضيّة اللهم إلا أحداث غزّة الأخيرة .. وإن كانت السياسة قد ابتعدت تدريجياً عن تناول ما يحصل اليوم من انتهاكات داخل الأراضي المقدّسة.. فإنّ الدراما العربية انسحبت بشكل شبه كامل.