هند جودة..شاعرة الأسئلة العميقة / تغريد أبو شاور (الأردن)

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –
يقع “دائما يرحل أحد” للشاعرة الفلسطينية “هند جودة ” في 117 صفحة من القطع المتوسط، ويتضمن 40 قصيدة خفيفة من حيث كَم الأبيات وليس من حيث مصداقية فكرة ما وإبداعية الأخرى، حيث أنهت بعدد من القصاصات الشعرية القصيرة . تبني الشاعرة قصيدتها بشكل محكم منضبط ، حيث مطلع بعض القصائد ينبؤ بنهايتها ، وقصائد أخرى تكون النهاية مفتوحة للقارئ، وأخرى تكون نهايتها غير متوقعة، مربكة و مفاجأة، وهذه صفة لا يمتلكها شاعر عادي، فالدهشة والمفاجأة روح الشعر.
وهذا التنوع أضفى شيئا من التجدد في اكتمال ثيمات المجموعة الشعرية. في أغلب القصائد تبحث الشاعرة عن ماهية الأشياء ، وبحذاقة تعرِّف الأشياء بأكثر من معنى ، و تتكامل التعريفات بانزياحات إبداعية ،كأن تعرِّف الأحلام فتقول :
“الأحلام مشاكسة،
لا تكف عن الخربشة فوق جدران الغد”
إضافة إلى أنها تخلق معانٍ حديثة نابعة من رؤيتها الحسية للأشياء ، حيث أنها في بعض المواضع جعلت من اللاحيِّ حياً، فتقول:
“الماء كائن حي
الغيمات تتجاسد لتنجب المطر
أي كومة ماء
مرآة”
وتسهب في تبريرات هذا التعريف باحثةً عن كينونة العلاقات المختلفة، وتسقطها بحرفية على المسميات التي تهمّ بتعريفها:
“الماء منافق ”
ولهند جودة، ابنة غزّة، علاقة قوية بالطبيعة؛ ففي ديوانها تتنقل ما بين البحر والسماء، والغاب والشجر، والسمك حتى، وتسخر كلاً منها حسب المبتغى من فكرتها، هناك أيضاً بعض الإضافات الخارقة للواقع،كانت والخارجة عن المألوف، كأن تقول :
“صاخب هذا المساء،
يربي حديقة كلام
فوق جفني تصفق له الرموش ” .
أسئلة كثرة تطرحها جودة في ديوانها الصادر مؤخراً عن “موزاييك للترجمات و النشر و التوزيع”، أسئلة بسيطة لكن ذات دلالات عميقة جداً مثل:
الماء لون وطعم ورائحة
هل الأحلام ملونة ؟
أسئلة رغم بساطتها إلا أن القارئ يحتاج أن يتواصل مع المعنى الخفي المقصود من وراء استخدامها . للماء وللبحر والنجم والحلم ، نصيب كبير في قصائد هند جودة . حيث استغرقت في علاقتها وتماهيها و إقامة علاقات لطيفة معها ، كأنها تنتظر الحكيم أوالمخلص لها من شقاء الأسئلة المتتابعة . في النهاية وقفت الشاعرة في هذا الديوان الناعم وهذه الحالات الشعرية والمشهدية الناضجة في القصيدة، على أشد مواطن التوتر والارتباك، مبتعدة عن الضجيج الذي يثيره الاحتلال.