«هوب هوب» كوميديا مسرحية سوداء في ظل المأساة السورية

الجسرة الثقافية الالكترونية

*علاء الدين العالم

المصدر: الحياة

في ظل ما تشهده سورية من تطرف تمارسه أطراف الصراع، غدت «المحاكاة» وبالاً على الفن الذي حملها آلاف السنين، أي المسرح. فأمام المسرح اليوم في سورية أفخاخ لا تحصى يتوجب على فنانيه أن يتجاوزها، كي يخرجوا بعرض مسرحي لا تمنعه مئات الحواجز الرقابية، لا سيما تلك المسرحيات التي تدعي طرح محاكاة ساخرة مما يجري، من ذلك مسرحية «هوب هوب»، وهي من اقتباس جوان جان وإخراج عجاج سليم (تقدم على خشبة مسرح الحمراء في دمشق).

يغامر سليم في الاتجاه بعرضه نحو الكوميديا السوداء. المغامرة هنا تعني استحالة تقديم كوميديا سوداء في ظل التطرف الذي تحفل به المدينة كل يوم. منطلقاً من لعبة المسرح داخل المسرح يسري العرض في مسارين متداخلين، الأول يعرض لمسرحية «الجزيرة القرمزية» لميخائيل بولغاكوف بصورة من صور العروض المباشرة التي يغلب عليها الطابع الخطابي والأداء الفج. وسرعان ما يتلاشى ذلك ليدخل العرض في مسرحية أكبر تضم ما كان يقدم، فيأتي متعهد حفلات مغترب (اسامة حفيري) ليتبنى عرض المخرج (كفاح الخوص) ويعد الفرقة المسرحية بالسفر إلى إحدى الولايات الأميركية. فيستحيل بذلك العرض إلى بروفا لمسرحية الجزيرة القرمزية على مقاس المنتج السوري ذي الجنسية الأميركية.

يبحر العرض في كوميديا ساخرة تنطلق من أساسين نقديين. الأول محاكاة وضع المسرح السوري الخطابي ونقد آليات العمل الموجودة داخله، من تفرد للمخرج وغياب لدور الكاتب وتضخم دور المنتج في العملية الإبداعية وفصل الحكم له. أما الأساس الثاني فهو نقد لعلاقتنا مع الآخر، ورصد لوجه من وجوهها السلبية القائم على الانصياع والتذلل. يجري ذلك في غمرة إشارات سياسية لا تتعدى تنفيسات مسرح دريد لحام في الثمانينات والتسعينات.

تقتصر المحاكاة الساخرة هنا على مقاربة مواضيع مكرورة كقضية الإنتاج المسرحي وسيطرة المخرج والمنتج. أو طرح سطحي لعلاقتنا مع الآخر.

يضاف إلى ذلك استخدام اللهجات المحلية في سورية كالحلبية والساحلية كوسيلة للإضحاك. ما يحول اللهجة عكازاً يتكئ عليها العرض في كوميدياه، حاله حال المسارح التجارية التي تلعب على وتر اللغة لإضحاك الجمهور من دون وجود مبررات درامية لحضورها في العرض.

يقوم «هوب هوب» على تجربة الكتابة على الخشبة. هنا لا يلتزم الممثلون نصاً واضحاً. هم يخلقون نصوصهم وخطابهم والأنماط التي يلعبونها. بيد أن ذلك، ولكي يظهر كبينية مسرحية متماسكة في النهاية، يحتاج إلى عملية ضبط من المخرج، وهذا ما اخفق فيه سليم بحيث وقع في فخ ما يود نقده، فقدم نسخة تختلف عن شكل المسرح الذي ينتقده ظاهراً وتلتقي معه في خواء العرض المقدم وسطحية الفكرة المجسدة على الخشبة.

من جهة أخرى وضع الارتجال الممثلين أمام اختبار الأداء الأصعب، لا سيما حقل الكوميديا الوعر الذي يلعب الممثلون فيه، ما ساهم في إظهار المستوى المتفاوت للأداء عندهم، وقد تمكن بعضهم من تجاوز فخ الأداء هذا مثل طارق عبده، كفاح الخوص، أسامة الحفيري….

كذلك الحال مع فضاء مسرحية هوب هوب، حيث يظهر الاستسهال في السينوغرافيا عبر اعتماد القضبان الحديد المرصوفة على حواف حيز العرض على أنها ديكور للمسرحيتين المتداخلتين. وهذا خلق تناقضاً في المسرحية الأولى «الجزيرة القرمزية» التي غاب عنها أي ديكور واقعي يتناسب وطبيعة المسرح المقدم على الخشبة. كذلك، لم تتلافَ الإضاءة ثغرات الديكور، ولم تتجاوز مهمتها الوظيفية في المسرح، وعجزت عن تكوين عنصر جمالي يثري الفرجة، واقتصرت على قوالب جاهزة (بقعة ضوء، إضاءة جانبية…) فكانت بذلك متناقضة مع ما يود العرض تقديمه من تحطيم لشكل أدائي رث وبالٍ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى