هوية بيولوجية مُتعالية .. للكاتب إبراهيم جابر إبراهيم

الجسرة الثقافية الإلكترونية -خاص- 

 

*إبراهيم جابر إبراهيم

 

في الأدب، أو حقول الفن والإبداع ، الذي تنتجه امرأة، دائماً ما كانت هناك مشكلة في التلقي؛ حيث يجري استقباله على أنه منتج فئة خاصة، وهذا خلل أوجدته المرأة ذاتها، بمثابرةٍ كانت تتقصَّدُ هدفاً مغايراً تماماً !

فحركات المجتمع المدني، النسوية منها تحديدا، التي طالما نادت بتمكين المرأة ، كانت تتوخى الرد على التهميش التاريخي الواقع تجاهها، والذي جاء محصلة انتفاخ مجموعة قيم وتقاليد وضعية رسخت تاريخيا نظرة دونية لهذا الانسان المختلف بيولوجيا !

لكن هذه الحركات استخدمت أدوات خاطئة أفضت بالمحصلة الى نتائج مضادة. 

فالأدب، والابداع بمجمله، هوانجاز لا يستدعي من وظائف الجسد غير تلك الموجودة عند الرجل والمرأة على حد سواء، والموضوع كذلك ليس محتكراً لصالح جنس معين؛ فثمة كتاب كثيرون استخدموا ضمير المتحدث المؤنث، وكاتبات أكثر استخدمن ضمير المتحدث المذكر، وأبعد من ذلك ناقش كُتاب اضطهاد المرأة من وجهة نظر مناهضة، وتطرقت كاتبات لأزمات الرجل العربي.

لكن القيم الآنفة الذكر؛ التي تمكنت طويلا من توجيه بوصلة التفكير في مجتمعات العالم الثالث، العربية تحديدا، تدخلت هنا أيضا، فأعطت للمنتج النسوي قيمة أقل؛ وهكذا لم يجر تناول المنتج أو الأداء بمعزل عن تصنيف جنسوي لصاحبه، و”بتشكيك” إن كان هذا الأخير إمرأة !

وأمام هذا الإنقضاض التاريخي على المرأة كانت تنمو غرائز المقاومة في عقل هذا “الكائن”، وخِطابه، وكان لا بد من صد التغول الشرس كبداية، للانتقال لاحقا الى الهجوم والمطالبة بالمساواة والندية. 

هنا حدث الخلل في استراتيجية عمل المرأة ؛ ذلك أنها في خضم المعركة كانت تضع نصب عينيها الدفاع عما هو بديهي؛ فانزلق خطابها الى التبرير، واللغة الاعتذارية، والتي تفتتح غالبا بالقول: أنا من فعل ومن أنجز ومن حقق .. الخ الخ !

كأنما هي مضطرة في البداية للإعتذارعن كونها إمرأة، وأن ما تقدمه هو أمر لافت غير متوقع من إمرأة ويستحق بالتالي اهتماما فائضا ً ! وهنا لا يمكن فهم أن  تتواطأ المرأة مع فكرة اعتبارها كائناً مستهجناً يجري اكتشافه يوماً واحداً في السنة… وتقام له الاحتفالات الساذجة وتلقى في مديحه الكلمات، وكأنها مخلوق نادر ستجري أنسنته لاحقاً ! 

لماذا تعترف المرأة بأنها مخلوقة مختلفة، وتقبل التعامل معها كما لو كانت من “ذوي الاحتياجات الخاصة”، فيصير نجاحها حدثاً غير متوقع، وتفوقها مناسبة مدهشة، وفوزها يستحق الاحتفاء به وتبادل التهاني؟

أليس هذا اعترافاً صريحاً وواضحاً منها بأن نجاحها وتفوقها وفوزها كانت نتائج غير متوقعة؛ لأنها امرأة، وأن الوضع الطبيعي هو أن لا تنجح ولا تتفوق، وبالتالي إن حدث ذلك فهو مناسبة استثنائية !

أليس هذا ذروة الامتهان للمرأة، والتمييز ضدها، حين يصير أي إنجاز لها خارج التوقعات، ويتطلب احتفالاً من نوع ما؟

أليس شعار “تمكين المرأة” الذي ترفعه مئات المؤسسات والهيئات، هو شعار يعترف ضمناً بأن المرأة “غير متمكنة” أصلاً؟!

وأن جهودا جبارة يتوجب – من وجهة نظر هذه المؤسسات- بذلها؛ لتتمكن المرأة من، ويصير بوسعها أن، وقادرة على، ويمكنها أن …  !

لماذا إذن تقبل المرأة هكذا شعارات تنتقص من اكتمال إنسانيتها، وتشكك بأهليتها.

ولماذا تقرّ المرأة بأن أي نجاح تحققه هو قفزة في مضمار سباق مع خصم مُتَخيَّل، هل تشعر المرأة فعلاً بأن هناك أعداء يتربصون بخطواتها، ولماذا لا تتعامل المرأة مع نفسها كإنسان “كامل العضوية” في الشراكة الإنسانية، وليس كضلع ناقص يظلّ موضع اختبار على مدار الوقت، ومطلوبا منه أن يبرهن قدراته البسيطة في كل ساعة، لنصفق له! 

وانسحب هذا لاحقا على الأسلوب الذي انتهجته بعض الكاتبات في أدبهن أو ابداعهن عموما حين رسخن أنفسهن ( كاتبات نوع ) بهوية بيولوجية مُتعالية، هي بالضبط الهويّة التي تكدُّ المرأة ليل نهار لتكريسها انتقاماً من “عصور الاستعباد”، وهي قفزةٌ في الهواء تفهمُ الحياة على نحوٍ واحد إمَّا أن تكون الضحيَّة أو أن تتلذَّذ بالبحث عن ضحيَّتك الخاصَّة !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى