هيا زعاترة في «حدود ووعود»: عن شاطئ ما بين حيفا وبيروت

الجسرة الثقافية الالكترونية
*أمل كعوش
المصدر: السفير
في الإطار صبيّة بشعر طويل شديد الحمرة تداعب أوتار قيثارة سوداء. في الخلفية أسطح عمارات بيضاء، بعض أشجار، وامتداد بحر حيفا. «بعيد.. مهما تكون قريب» تغنّي الصبية مستهلّة أغنيتها، فتحكي بكلمات بسيطة جدّاً قصة حب نشأت، كما انتهت، عن بُعد. تلك علاقة كمثيلاتها من العلاقات الإنسانية التي لم يمنع العالم الافتراضي ولادتها عبر الحدود، بينما أعاق الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين احتمالات اكتمالها وولادتها على الأرض، على الرغم من أن للبلاد «نفس البحر والشطّ ونفس الهوا والريح» كما تغني الصبية.
هو البحر المتوسط الذي يحتل خلفية الصورة في فيديو أغنية «حدود ووعود» لهَيا زعاترة (23 عاماً) والذي يمتدّ شاطئه في كلمات الأغنية ما بين فلسطين ولبنان وإن كانت تسميات القُطر متوارية ما بين السطور. إثر تجربة شخصية، كتبت هيا الأغنية منذ أكثر من ثلاث سنوات، لتحظى أخيراً بفرصة إنتاجها وإطلاقها في الحيز العام وذلك من خلال مبادرة «قعدات الأصايل» (Indigenous Sessions) للفنان تامر العمري، وهي مبادرة تطوعية تهدف إلى دعم الموسيقيين الفلسطينيين عبر تقديم تسجيلات صوت وفيديو مجانية.
ولدت هيا زعاترة في مدينة الناصرة في بيت عزّز لديها اهتمامها بالموسيقى عبر ثقافة الموسيقى الغربية الكلاسيكية، فوالدتها هي هويدا نمر زعاترة، مغنية الأوبرا الفلسطينية التي عادت إلى الساحة الفنية حديثاً بعد غياب دام لسنوات طوال. أولى وقفات هيا على خشبة المسرح كانت في سن الخامسة برفقة والدتها، التي حرصت أن تتابع طفلتها دروس العزف على البيانو لتتعلّق لاحقاً في سنوات المراهقة بآلة الغيتار وموسيقى الروك.
قبل سنوات خمس، وخلال سهرة في مقهى الياخور في سوق الناصرة في البلد العتيقة، منحت الصدفة هيا أول ظهور لها في مسيرتها كمؤدية منفردة. ثم تعرّفت في الفترة ذاتها على فنانين فلسطينيين وشاركتهم كعازفة غيتار في مشاريعهم، فانضمت إلى فرقة «انسمبل رووج» مع الفنانة ربى شمشوم، كما شاركت الفنان جوان الصفدي في فرقتي «الإلكترون العظيم» و «فِش سمع»، إضافة إلى مشاركات في عروض لفرقة «أبورابوص». في الآن ذاته، كان لهيا عروض كعازفة ومغنية منفردة في أنحاء مختلفة من فلسطين، فغنّت وعزفت في الناصرة، وحيفا، ويافا، ورام الله إضافة إلى مجدل شمس في الجولان المحتل.
منذ عامين تعرف جمهور أوسع على هيا زعاترة من خلال أغنيتها «مناكير» التي جاءت ضمن مشروع «غنيّ عن التعريف» وهو مشروع موسيقي شبابي حول الهوية الجنسية والجندريّة. لا تختصر الموسيقى كلّ اهتمامات هيا، فهي تتابع دراسة الهندسة المعمارية في حيفا، تفصلها اليوم مدّة شهرين فقط عن موعد تخرّجها. تقول هيا إن هندسة العمارة هي فن سياسي بحت فهو المجال العلمي الذي يدرس الأجسام الثلاثية الأبعاد التي تفصل ما بين الناس وتفرقهم، كجدار الفصل العنصري. تلك المعادلة تبرز أيضاً في أغنية «حدود ووعود» التي تغني فيها هيا عن «قفص» يسجن الطير مغلقاً الباب على حريته وإن اختلف شكل «القفص» وهويته من مكان إلى مكان. تحكي هيا في أغنيتها عن «أمل موجود، بس بعيد»، وترسم صورة لحبيب يستطيع الوصول إلى فلسطين والمشي معها يدا بيد «راح أشوفك شي يوم/ وراح تحبني من جديدْ/ راح تقدر تجي لهونْ/ ونمشي إيد بإيدْ». وبالأمل الموجود ذاته تحلم هيا زعاترة بأن تحملها قيثارتها إلى لبنان، في عالم أكثر عدالة لا حدود فيه ولا تجزئة.