«هيدا مش فيلم مصري».. وثيقة عن العنف الذكوري

الجسرة الالكترونية الثقافية-السفير-

هي ليلة رعب. رأينا وأنصتنا فيها الى ما يفوق الالم والتصور. هي ليست حكايات وعدّت، انما شهادات حية، أنصتت لها لينا ابيض، من نساء حقيقيّات، وجمعتها في «هيدا مش فيلم مصري»، عرضها الجديد على «مسرح غلبنكيان». حكايات تقشعرّ لها الابدان، ليس فقط لما تحمل من عنف، انما لما تدفعك اليه من تفكير بتركيبة هذه النماذج الموجودة بيننا. فمن هو هذا الرجل العنيف وما هي مبرراته، ومن هي هذه المرأة التي تتحمل وتسكت وتأكل الصفعات. هذا لن نفهمه ولن نجد حلوله في العرض، فهي طلاسم مبهمة، لكننا سنرى عرضاّ جريئاً، مؤثّراً وقاسياً.

لينا أبيض أخذت على عاتقها مسؤولية كبيرة. نقل مأساة قد لا نراها فعلا الا في الافلام، وقد كانت مقصودة رؤية فيلم مصري بالابيض والاسود على خلفيّة الأحداث. لكن الاحداث تخطّت حدود كلمة نهاية التي تختم بها الافلام حيث يحتضن انور وجدي ليلى مراد، لنرى نساء لا نهاية لمأساتهن، خلف قضبان (وضعتهن لينا في ما يشبه الزنزانة) كلّها عصي قد تخبط اجسادهن في اي لحظة. ممثلات لينا كنّ مقنعات للغاية.

اداء قوي، ولو تفاوت بين ممثلة واخرى، شعرن بكل حواسهنّ، بالقصص التي أخبرنها، فكانت تعبيراتهن مؤثرة جدا، بحيث خطفن انفاسنا فضولا لدى استماعنا الى غرابة ما يروين. كم هو غريب ما شعرنا به عندما استمعنا لحكايات لا تشبهنا ولا تشبه كياننا، وفجأة وضعتها لينا امامنا وشعرنا بانها موجودة فعلا وراء كل باب تقريبا، قد يكون باب جارتك او اختك او صديقة لا ندري عنها شيئاً. فالعنف له اوجه عديدة، ووسائله لا تعد ولا تحصى، ككل اسلحة الحرب والتعذيب من القدم للآن. وهذا ما ركزت عليه لينا من خلال المرأة الصامتة التي ارتدت قناعا حديديا موصولا بحبل تسحب به من رجلها، كدابّة يربيها الرجل في منزله. وذكرت المخرجة ان هذا القناع الحديدي كان موجودا فعلا في العصور الغابرة لتكميم فم المرأة بهدف تهذيبها.

الممثلات استطعن الدخول تحت جلد السيدات الحقيقيات اللواتي وافقن على نشر قصصهن، ليس فقط للاتعاظ، وهذا ما كان ظاهرا في رسالة العرض، فلا مواعظ او حتى خلاصات توصلت اليها هذه النساء، انما أخبرن لتكون هناك فجوة ما او ثقب في خريطة مجتمع لا ندري لماذا حتى الآن يشكل هذا الموضوع فيه تابو مثله مثل اي موبقات ابعد ما يكون عنها. نساء وصلن لدرك اسفل حتّى ولو ان البعض منهن كن المسؤولات عما آلت إليه الامور على حد مقولة وراء كل رجل سي السيد توجد امينة. ما استمعنا اليه، والمخيف انه قد يكون نقطة من بحر دماء ما زلنا غافلين عنه جعلنا نقترب اكثر لفئة من نساء. لينا ابيض استطاعت من خلال السينوغرافيا القاتمة، كالكراسي المقلوبة، ومائدة الطعام التي تكون في العادة موجودة للم شمل الأسرة ملئت بقطع صحون مكسورة، تزداد تباعا مع مرور امرأة صامتة متشحة بالسواد تحمل دلوا معبأ بالصحون كأنّها جنية النوم او الموت، التي تسحب ارواح هؤلاء السيدات المحطمة وتضعها كالركام فوق بعضها البعض.

عرض»هيدا مش فيلم مصري» عرض قوي ومحبوك بشكل لافت، حيث لمسنا صدق ما قيل من حكايات، للأسف، واقعية، وبالرغم من انعدام الحلول لكنّه نجح في مهمة النقل المباشر بيننا وبين تلك النسوة، في فضفضة حميمة، لعلها تحرك القليل من المياه الراكدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى