واسيني الأعرج… «المرتحل عبر الأمكنة»

الجسرة الثقافية الالكترونية

*ابراهيم حاج عبدي

المصدر: الحياة

 

«في القرية نبتت بالصدفة، كبنفسج بري، عارياً، لا غطاء لي سوى سماء لم تكن، دائماً، سخية وطيبة، كما اشتهيتها… ولا فراش لي سوى سماء متشققة عطشاً وشهوة». بهذه الجمل الشاعرية يبدأ فيلم «واسيني الأعرج، المرتحل عبر الأمكنة» لنتعرف الى التجربة الغنية للروائي الجزائري (1954) الذي أصدر أكثر من عشرين رواية ونال العديد من الجوائز، وكان آخرها جائزة كتارا للرواية العربية.

الفيلم، الذي عرض على قناة «الجزيرة» ضمن سلسلة «وحي القلم»، يستعرض جانباً من تجربة الأعرج في أقل من ساعة، وبهذا المعنى فإن العمل يرصد محطات نافرة في حياة صاحب «شرفات بحر الشمال»، ويسعى إلى تقديم «بورتريه» مختصر عن العالم السردي الرحب لكاتب وجد في فوضى الحروف طريقة حياة خاصة لا يمكنه النجاة من شباكها.

وعلى رغم الصفة التي يمنحها الفيلم لواسيني وهي «المرتحل عبر الأمكنة»، والتي تحيل إلى أمكنة كثيرة تنقل فيها صاحب «طوق الياسمين»، من قريته الصغيرة إلى وهران الى الجزائر العاصمة ثم دمشق التي استقر فيها لسنوات، وصولاً إلى باريس التي يعيش فيها حالياً، ناهيك عن سفراته الكثيرة شرقاً وغرباً، غير أن واسيني لا يجد مكانه إلا في اللغة. كل الأمكنة تتحول إلى فضاء للسرد، وتحفز على الغوص في ما وراء القشور، ولا يجد أمامه سوى الصفحة البيضاء لينتقم من الغياب والحنين. والمكان لدى واسيني ليس متعلقاً بالمنفى، كما الحال لدى كثير من الكتاب، بل على العكس، فالأمكنة لدى واسيني مرتبطة بالحرية، «حرية البقاء فيها وحرية مغادرتها، فإذا انتفى شرط الحرية لم تعد للكتابة قيمة».

كان «ألف ليلة وليلة» هو الكتاب الأول الذي عانق نظرة الفتى، وهو الذي فتح أمامه البوابات السرية والسحرية للقص، فانطلق منه لاكتشاف العالم عبر السرد، ليحاور لاحقاً هذا العمل التراثي في رواية تجريبية تجريدية هي «الليلة السابعة بعد الألف» بجزأيها «رمل الماية» و«المخطوطة الشرقية»، وهو هنا يحاول استرداد التقاليد السردية الضائعة وفهم نظمها الداخلية التي صنعت المخيلة العربية في غناها وانفتاحها.

صور فوتوغرافية، متاحف ومبانٍ وبحار وأنهار، مشاهد تمثيلية معبرة… كل هذه العناصر تتضافر ضمن نسيج بصري يروي سيرة صاحب «نوار اللوز» الذي فقد والده باكراً لدى نضاله ضد الفرنسيين في نهاية خمسينات القرن العشرين.

وبدا الكاتب، الذي يكتب بالفرنسية والعربية، وفياً لهويته ولتاريخ بلاده فأصدر «كتاب الأمير» الذي يتناول سيرة رمز المقاومة الجزائرية، عبدالقادر الجزائري. وما يغني هذا الفيلم هو الشهادة التي يقدمها الناقد السوري فاروق مردم بك، وكذلك العراقي كاظم جهاد، فيضيآن جزءاً من سيرة كاتب عشق الترحال، وراح يصوغ مشاهداته روايات تبحث دائماً عن أساليب تعبيرية مبتكرة، من دون أن يقطع مع تراثه، فلا حداثة، في رأيه، بلا جذور تراثية راسخة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى