وديع سعادة: كل شاعر هو ابن غيره من الشعراء

الجسرة الثقافية الالكترونية

*روز جبران 

المصدر: العرب

 

وديع سعادة شاعر لبناني ولد عام 1948 في قرية شبطين شمال لبنان، وعمل في الصحافة العربية ببيروت ولندن وباريس، قبل هجرته إلى أستراليا في أواخر عام 1988، ومازال يعمل في مجال الصحافة في أستراليا كما أنه يكتب لعدد من الصحف في الدول العربية. صدرت لوديع سعادة تسعة دواوين شعرية أبرزها “ليس للمساء إخوة”، و”المياه المياه”، و”رجل في هواء مستعمل يقعد ويفكر في الحيوانات”، و”مقعد راكب غادر الباص”، و”رتق الهواء”. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الشاعر اللبناني وديع سعادة.

قال الشاعر اللبناني وديع سعادة مرة “كان أبي في الحرب يبحث في البراري عن عظمة، ليطحنها بحجر ويسدّ جوعه. من نسل تلك العظام المطحونة خرج أطفال، كنت واحدا منهم؛ كنت ابن عظمة مطحونة”.

 

 

مسيرة الشعر

 

بداية يحدثنا وديع سعادة عن طفولته، وعن علاقته بالمكان الأول، الرحم الأول، عن البيت عن العائلة، عن علاقته بوالديه، وماذا تبقى من كل ذلك في شخصيته على الصعيد الشعري والإنساني، وعن فكرة الأبوة في الشعر، يقول الشاعر: أنا ابن قرية وديعة في شمال لبنان، ولدت في بيت سقفه من تراب وأرضه من تراب، وعشت طفولتي مع الشجر والتراب، وأظن أني لا أزال أحمل ذاك التراب إلى اليوم في قلبي.

 

ويضيف: إني ابن تلك الطبيعة البريئة، وكذلك ابن القسوة التي يعاني منها القرويون لا سيما الفقراء منهم. فأبي مثلا لم يكن معه ثمن لعبة يقتنيها لي، وعلمته هذه الظروف القاسية أن يكون قاسيا أيضا مع أولاده، لكنه بالتأكيد كان يحبني، وتعلمت منه ومن أمي أن أحب الناس والطبيعة والحيوانات أيضا. لا شك أن تلك الطفولة كان لها تأثير كبير عليّ، على الصعيدين الإنساني والشعري معا. فأنا ابن تلك الطفولة أولا ثم ابن كل ما مرّ في حياتي بعد ذلك. أما بالنسبة إلى الأبوة في الشعر، فأعتقد أن كلا منا هو ابن كثيرين، شعراء وغير شعراء، مرّ بهم وتركوا أثرا ما في شعره وفي مفاهيمه الحياتية، وكذلك هو ابن كل التجارب التي مرّت في حياته. لذلك لا أعتقد أن لأي شاعر أبا واحدا، ولست أنا كذلك أبا لأيّ شاعر.

عن علاقته التي تبدو فاترة بالشعراء يعتبر وديع سعادة أن كل الشعراء أصدقاؤه. ويستذكر ممن رحلوا: يوسف الخال، يقول: كان صديقي وتعرفت على زوجتي في سهرة ببيته، أنسي الحاج أيضا كان صديقي، وعملنا معا لسنوات في الصحافة بباريس وبيروت، محمود درويش تعرفت إليه في باريس، ودأبت على الاتصال به هاتفيا من سيدني بعد عودته إلى رام الله، سركون بولص بقي صديقي منذ مجيئه إلى لبنان عام 1968، وبعد هجرته إلى أميركا حتى وفاته. والشعراء الذين هم على قيد الحياة أكثرهم أصدقائي أيضا، وأشعر نحوهم جميعا بالقربى.

 

وعمّا إن كانت قصيدة النثر تمثل لديه ما يمكن تسميته نهاية الطموح الشعري، ينفي محدثنا ذلك معتبرا أنه لا نهاية للطموح الشعري، لكن قصيدة النثر ليست سهلة وليس كل من يكتب ما يسميه قصيدة نثر هو شاعر.

 

لكن بعدما سقطت قامات شعرية كبيرة وكذلك مفهوم النخبة، على حدّ قول الكثيرين ممن يزاولون الكتابة اليوم، فأين أصبح المثقف بصورة عامة، أين أصبح الشعر الآن؟ يجيبنا سعادة أن الشعر يواصل مسيرته، وثمة نخبة لا تزال قائمة، سواء سقطت قامات أو لم تسقط.

 

 

المثقف والسياسة

 

وإن كانت الكتابة اليوم تتعرض -سواء كانت بصورة عامة أو كتابة الشعر بصورة خاصة- إلى خطر حقيقي داهم، في خضم غزو الصورة واستفحالها، إذ الكتابة الورقية مهددة بالانقراض، في ضوء انتشار وتمكن الوسائل التكنولوجية الحديثة وانتشارها بشكل كبير، يقول وديع سعادة: لا شك أن قرّاء الكتابة الورقية يقلّون يوما بعد يوم، فالعالم يتغير ونأمل فقط أن يحافظ هذا التغيير على الثقافة، شعرا وغير شعر، سواء بالكتابة الورقية أو بأية وسيلة أخرى.

 

لمن يقرأ وديع سعادة اليوم من الشعراء الشباب؟ يعلق قائلا: بحكم إقامتي البعيدة في أستراليا، أقرأ لمن يتاح لي الحصول على كتبه، إضافة إلى ما يوفره الإنترنت من كتابات الشعراء الشباب.

 

عن رؤيته للمثقف الذي يزاول العمل السياسي، وهل ثمة تقاطعات ما بين العمل السياسي والعمل الثقافي، أم أن الثقافة في حدّ ذاتها هي عمل سياسي؟ يؤكد الشاعر أن الثقافة هي سياسة أيضا بالمعنى العميق للكلمة، وليس بالمعنى المتداول.

 

أي أنها نظرة عميقة إلى الحاضر وإلى المستقبل، ونقد لما يجري في العالم وما تمارسه السياسة من شوائب. فالثقافة رقيب على السياسة، أي أنها سياسة أعلى من السياسة. وعلى الشاعر، والمثقف عموما، أن يبقى هذا الناقد وهذا الرقيب، ولا يخضع لأية إغراءات تمارسها السياسة عليه، وإلا فإنه يفقد صفة المثقف والشاعر.

ويضيف: الثقافة هي أيضا احترام الاختلاف، في الرأي والمعتقد والممارسة وما إلى ذلك. لذلك فالتيارات العديدة في أيّ مجتمع هي علامة إيجابية شرط أن تتعامل هذه التيارات بين بعضها البعض بديمقراطية. من هنا، فإن الثقافة والحرية في المجتمع العربي وفي أيّ مجتمع آخر لا تتحققان إلا بهذه الديمقراطية.

 

بعد تصدّع بنية المجتمع العربي، واستفحال الفوضى، في الكتابة والحياة الثقافية والسياسية، يلفت وديع سعادة إلى أن المثقف هو الناقد والرقيب. ويجب أن يبقى ناقدا ورقيبارغم كل ما يصيب مجتمعه من خراب سياسي وثقافي وفوضى.

 

عن منابع خياله الشعري وتصوراته ورؤاه، إن كانت من ماض تركه أم من حاضر يعيشه، أم من تطلع مستقبلي؟ يؤكد سعادة أن منابعه ضاربة في عمق الماضي والحاضر والمستقبل معا.

 

ذات مساء ليس له إخوة كتبت: بينما كنت تعبر أمكنة واسعة/ كان ثمة شيء يشبه الحب يتذكرك/ أما الآن وقد قطعت شوارع غير مدثرة/ وودّعت أرصفة كثيرة/ فالأمل الذي أراد التحدث إليك عند كل خطوة/ يكف عن النداء/ أنت يا من حسب أنه عبر كل الأشياء/ جلست وقتا أطول في مقهى الماضي../.

 

ينبغي الاعتراف بأن الأيام/ ترسو كضفادع ميتة/ وتجعل الابتسامات موجعة أمام البحيرات/ وأن المحبة ملح أزرق/ ملح يسقط الآن وحيدا.. وأزرق/.

 

يحدثنا وديع سعادة عن الحب، وعن المرأة في حياته وطبيعة الأثر الذي تتركه في شعره قائلا: من في قلبه وشعره محبة للإنسان تكون في قلبه وفي شعره محبة للمرأة والرجل معا بلا تفرقة بينهما. أنا لا أكتب للمرأة ككيان منفصل، بل أكتب للإنسان عموما وهذا يعني أني أكتب للمرأة أيضا، بعيدا عن شعر الغزل الذي بات مستهلكا ومكررا منذ ما قبل قيس حتى اليوم.

 

لكن في حديثنا عن جديده اليوم، إن كان ثمة كتابات مغايرة، وجديدة، لقارئ جديد؟ يجيبنا سعادة بأنه لا جديد لديه، وأنه حاليا منقطع تقريبا عن الكتابة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى