ورشة نقد سينمائي في القاهرة.. علاقة المدينة بالأفلام

الجسرة الثقافية الالكترونية
*نديم جرجورة
المصدر: السفير
النشاط السينمائي المصري، الخارج على النظم الإنتاجية المتحكّمة بالصناعة الفنية، مستمرٌّ في اختبار أنماط متنوّعة من العمل. الأسماء المتّخذة تشي بنوع من «تمرّد» على هذه النظم الحيوية العاملة بمسمّيات مختلفة، تحاول أن ترسم معالم جديدة لسينما جديدة.
«سيماتك ـ مركز الفيلم البديل» (القاهرة) تجربة أخرى في المجال الفنيّ نفسه. التعريف به يقول إنه «مساحة تحتفي بتنوّع الأفلام المحلية والعالمية، وبجمالها وقوّتها». تمّ التأسيس قبل أشهر عديدة، انطلاقاً من «خبرة العمل في القطاع السينمائي، في خضم لحظة تاريخية، على أيدي صنّاع السينما ومحبّيها على حدّ سواء». الهدف؟ «أن يكون (المركز) مساحة لمُشاهدة الأفلام، وفتح نقاشات حولها. لاستكشاف السينما وتطويرها، مع الإيمان بأهمية الحفاظ على التراث، واستشراف المستقبل، من خلال دعم ثقافة الأفلام البديلة»، على أمل «بناء مساحة حيوية، يلتقي فيها صنّاع الأفلام ومشاهديها، لتبادل الأفكار، وإثارة النقاشات، والاستمتاع بالغنى السينمائي أساساً».
أحد نشاطاته الأساسية: «كرّاسات سيماتك». هذا برنامج تدريبيّ «يهدف إلى تطوير مهارات النقد السينمائي لمجموعة من الشباب الكتّاب، من خلال 6 ورش عمل، تتضمّن أسابيع أفلام تُعرَض أمام الراغبين في مشاهدتها جميعهم، بمشاركة نقّاد وباحثين عرب». ينتج عن البرنامج هذا مطبوعة دورية متخصّصة بالنقد السينمائي، بعنوان «كرّاسات السيماتك». بالإضافة إلى النقّاد والباحثين، هناك مبرمجون يُدرّبون الراغبين في البرمجة على أصول المهنة. كل ضيف يختار أفلاماً تُعرَض أمام المُشاركين في ورشة عمله. منهج ورش العمل هذه يعتمد النظريّ والتطبيقيّ في تحليل الأفلام والمدارس والمنهجيات المختلفة للنقد السينمائي، وتدريب عملي يهدف إلى «تنمية مهارات المُشاركين في كتابة النصوص النقدية، وفي وضع برامج عروض الأفلام في مختلف سياقات العروض السينمائية».
بعد ورشتي عمل بإدارة العراقي قيس الزبيدي والتونسي الطاهر الشيخاوي، تُشرف اللبنانية ريما المسمار على حلقة ثالثة في الإطار نفسه، بين 18 و22 آذار 2015. «الكتابة النقدية» عنوان أساسيّ. المشاركون من الكتّاب الشباب مصريون. تقول المسمار إن اختيارها عنواناً عاماً لعروض الأفلام مُحدّد بالسينما والمدينة، وبعلاقة السينمائيين بالمكان والجغرافيا. تريد الورشة «فهم العلاقة الشائكة والجدلية التي تربطنا بالمدينة، بوصفها أكثر من مجرّد مساحة جغرافية نحيا فيها الآن وهنا». فـ «المدن كلّها إشكالية، بماضيها وحاضرها، بتحوّلاتها وجمودها، بسلطويتها وخنوعها. مهما اختلفت المعايير، تنشأ عن كل منها علاقة مركّبة بين الفرد/ السينمائيّ ومدينته/ مكانه. المدينة التي هي مرساة تحصّن كينونتنا، تطرح العلاقة بها أسئلة تتجاوز «كليشيه» الانتماء أو عدمه. العلاقة بالمكان صلة قيد الإنشاء دائماً، في صيرورة مستمرّة، تسائل معنى «الانتماء» نفسه، وتحوّل الكتلة الجغرافية إلى جغرافيا نفسية وعاطفية وذهنية، تتقلّب فيها أحاسيس متضاربة».
خلال الورشة هذه، تُعرَض 5 أفلام: «غْرَا المقدّس» (وثائقي، 2013، 83 د.) للإيطالي جيانفرانكو روسي، و «متسلّلون» (وثائقي، 2012، 70 د.) للفلسطيني خالد جرّار، و «الخروج للنهار» (روائي، 2012، 96 د.) للمصرية هالة لطفي، و«عشرة» (روائي، 2001، 90 د.) للإيرانيّ عباس كياروستامي، و «أرض مجهولة» (روائي، 2002، 114 د.) للّبناني غسان سلهب. في الأول، يقوم المخرج برحلة «التفاف كبير حول روما». لكن، خلف الضوضاء الدائمة في هذه المدينة، هناك عالم غير مرئيّ. الفيلم الثاني يتابع تفاصيل مآزق وتحدّيات جمّة يعانيها فلسطينيو الضفّة الغربية على الحواجز الإسرائيلية، وفي ظلّ جدار الفصل العنصري. أما «الخروج للنهار»، فعلى الرغم من سرده حكاية ابنة وأمها ويومياتهما المثقلة بألف وجع وقسوة جرّاء احتضار الأب/ الزوج، إلاّ أن الكاميرا تخرج إلى المدينة (القاهرة)، وتلتقط شيئاً من نَفَسها وفضائها وبيئاتها الإنسانية. مع كياروستامي، هناك رحلة أيضاً في أزقة مدينة، لكن أيضاً في نفوس نساء وانفعالاتهنّ وأحلامهنّ وهواجسهنّ داخل المدينة وفي عوالمهنّ الخاصّة بهنّ، من خلال حكايات 6 نساء يروين حيواتهنّ العاطفية في 10 مشاهد، علماً أن هناك احتمالاً بأن تكون هؤلاء النسوة امرأة واحدة. مع غسان سلهب، تتجلّى بيروت كشخصية أساسية وليس فقط كمدينة، عبر قصص متنوّعة لها ولأناس مقيمين فيها، أو متجوّلين في أنحائها وأنحاء بلد لا يزال يلملم جراحه العاجزة عن أن تندمل. أناس ومدينة وعالم مفتوح على أسئلة الحياة والانتماء والعلاقة بالمكان.