ولا يوم من أيامك يا سلماوي

الجسرة الثقافية الالكترونية
مصطفى نصر
في بلادنا لا بد من زعيم أو مخلص كي يلتف الشعب حوله، وإذا كان هذا الزعيم مخلصاً ووطنياً سيحقق إنجازات لم تتحقق من قبل، هذا ما فعله سعد زغلول في ثورة 19، وهذا ما فعله جمال عبدالناصر بعد ثورة يوليو 52. وهذا ما ذكره توفيق الحكيم في روايته العظيمة “عودة الروح”، بأن هذا الشعب لو وجد الزعيم سيحقق به كل الأمنيات والأحلام.
إنني غير سعيد بهذا، فيجب أن تتحقق الإنجازات والأحلام بطريقة مستديمة وطبقا لخطة مدروسة كما يحدث في البلاد المتقدمة.
وإنما الاعتماد على الزعيم أو المخلِّص شيء غير مضمون، فقد رأس الدكتور أدهم النقيب إدارة مستشفى جمال عبدالناصر الحكومي في الإسكندرية في أواخر الستينيات، فجعلها أفضل من المستشفيات الأجنبية والخاصة، لكنه بعد أن غادرها، عادت ثانية مستشفى حكومي فيه كل سلبيات المستشفيات الأخرى، وبعد أن مات عبدالناصر فجأة – وهذا من سوء حظنا – جاء أنور السادات فأطاح بكل الإنجازات والأحلام، وأوقف المشاريع التنموية، واعتمد على الانفتاح الاستهلاكي الذي كان سبباً فيما نعانيه الآن من تخبط.
وفي فترات رئاسة ثروت أباظة وسعد الدين وهبة لإتحاد كتاب مصر، سارت الأمور في هدوء، لكن في فترتي رئاسة فاروق خورشيد وفاروق شوشة ( مع احترامي وتقديري لمكانتهما الأدبية) تخبطت الأمور، وشهد الاتحاد خلافات وشجارات وصلت لعمل محاضر في أقسام الشرطة.
وأعتقد أن هذا أمر طبيعي، فالإتحاد فيه مشكلتان صعب حلهما، وهما: إن الكثير من أعضائه ليسوا أدباء. ففي معظم الأوقات تجد من يُدخل أعضاء للإتحاد لا يستحقون الانتساب إليه، من الممكن أن يكون السبب إن هذا العضو يريد عِزوة وقوة تعينه وقت الانتخابات، وآخر لأنه يحصل على أموال من الراغبين في العضوية.
وقد حدثني صديق، كان – في ذلك الوقت – نائبا لرئيس الإتحاد، إن زجالا سكندريا غنيا، يمتلك شركة كبيرة، قد عرض عليه مبلغا كبيرا من المال، مقابل أن يدخله الاتحاد، لكنه رفض بإصرار؛ أو أن يضعف العضو أمام رقة وحنان فتاة أو امرأة لا تصلح أن تكون أديبة. وقد سمعت عن أسماء كثيرة لإعضاء مجلس إدارة أدخلوا الإتحاد أشخاصا لا يستحقون الدخـول فيه والانتماء إليه.
المشكلة الثانية إن عدد أعضاء مجلس الإدارة ثلاثين عضوا (ياه، عدد كبير جدا)، ففي كل انتخابات نختار عددا قليلا من المرشحين، ولكي لا يبطل صوتنا، نكمل الباقي بالعافية ونحن غير راضين.
الاتحاد أعضاؤه فنانين، يعني ربنا أعطاهم موهبة، وبحكم الطبيعة والعقل والمنطق عدد هؤلاء محدود، فكيف يمثلهم 30 عضوا؟! الغريب أن الذين انتسبوا للاتحاد دون وجه حق، ما أن يحصلوا على العضوية حتى يسرعوا للتقدم لانتخابات مجلس الإدارة، (على الأقل داروا على أنفسكم شوية).
وعندما تقدم محمد سلماوي لانتخابات الاتحاد، ونجح، نافسه البعض راغبا في أن يكون رئيسا، لكنه نجح، وبعد الانتخابات التالية التي تمت بعد عامين، وعند تشكيل هيئة المكتب، لم يجرؤ واحد للتقدم لمنافسته، للإنجازات التي حققها خلال العامين، أول هذه الإنجازات، هو حالة الهدوء التي شملت الاجتماعات، لا مشاكل ولا خلافات ولا معارك، سبب هذا إن سلماوي موضوعي في معاملته، وشخصية مؤثرة مع الحكومة، فحقق للأعضاء مزايا لم تتحقق من قبل.
وسارت الأمور هادئة، لكن ثورة 25 يناير، وهي ثورة كان لا بد لها أن تقوم، غيرت من مزاج الكثير من الشعب المصري، ودفعت الكثير للبحث عن التغيير، وحتى لو كان للأسوء، ودفع البعض للتعامل بعنف مع رؤسائه، وساد مبدأ: ” إذا لم يعجبك رئيسك؛ أضربه”. هذا ما شاهدته في أماكن كثيرة، ننتظر دخولنا على طبيب التأمين الصحي، فأسمع بعض المرضى يهدد بضرب الطبيب، (ومش حايخليه يروح بيته)، ولا يلتزمون بالدور، الثورة مستمرة في كل وقت وكل مكان.
وبعض أعضاء مجلس إدارة اتحاد الكتاب أراد التغيير لمجرد التغيير، واستخدم الآليات التي استخدمت في ثورة 25 يناير، بل استخدموا بعض العبارات الحماسية التي استخدمت وقت الثورة.
وكان لا بد من تغيير المستمرين في مجلس الإدارة، وأنا لست ضد التغيير وأرفض أن يستمر المسئول في مكانه لمدة طويلة، لكن اتحاد الكتاب شيء آخر، فهو ليس نقابة كمسارية أو قهوجية (مع احترامي الشديد للمهنتين) اتحاد الكتاب المفروض إن أعضاءه مبدعون، وعددهم قلة. وليس كل مبدع يجيد الإدارة، فأحمد الحفناوي عازف الكمان الأول – في وقته – فشل في تكوين فرقة موسيقية، ونجح هاني مهنى وهو من تلاميذ تلاميذه، وهذا لا يقلل من شأن أحمد الحفناوي، فكلٌ ميسر لما خلق له. فوضع طبيعي أن نجد مبدعين كبارا مستمرين في مجلس الإدارة لسنوات عديدة. ورئيس يشغل المنصب لمدد طويلة، ما علينا.
نجح من تعاملوا مع الإتحاد على إنه نقابة صنايعية، واستقال سلماوي، وعاد الإتحاد إلى عصر ما قبل سلماوي، خلاف بين الثلاثين عضوا، وصل للسباب. وأعتقد أن هذا سيستمر حتى يأتي زعيم آخر مثل سعد زغلول أو عبدالناصر أو أدهم النقيب أو سلماوي. انتظروا المخلص لكي يعود للمجلس هدوءه.
المصدر: ميدل ايست اونلاين