يوسف عيد أسير دوره

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-

 

*نديم جرجورة

 

لا أعرف تماماً أي نمط تمثيلي أتقنه الفنان المصري يوسف عيد. الكوميديا حاضرة في شخصيته وأدائه وعمليه السينمائي والمسرحي. لم أشاهده تلفزيونياً. لكن، هل فعلاً كان يوسف عيد ممثلاً كوميدياً، على خطى مؤسّسين وأبنائهم، وبعض أحفادهم على الأقلّ؟ ألم يُقدّم أعمالاً درامية لا علاقة لها بالكوميديا، وكان لديه فيها أداء مختلفٌ؟ هناك ممثلون مصريون عديدون، ممن «حوصروا» في تلك اللعبة القاسية داخل البلاتوهات، قادرون على إعطاء ما هو أعمق وأكبر وأهمّ مما «سُمِح» لهم بإعطائه. فهل كان يوسف عيد أحد هؤلاء المغبونين، أم أنه أدرك، منذ البداية، أن مكانه لن يتبدّل، وأن الشخصيات المطلوب منه تقديمها ستأسره في شكل واحد، ونبرة واحدة، وضحكة واحدة، وسلوك واحد، حتى لو كان هذا كلّه كفيلاً بإضحاك المُشاهدين؟

تُلحّ أسئلة كهذه عليّ فور قراءتي نبأ رحيله. في 15 تشرين الثاني 2014، كان سيبلغ الـ 66 عاماً من عمره. هذا قليلٌ. لائحة الأعمال التي شارك فيها تكاد تكون «أطول» من هذه السنين القليلة. تُلحّ الأسئلة. الأجوبة محتاجة إلى إعادة نظر نقدية في تاريخ السينما الكوميدية المصرية، منذ بداياتها القديمة. أو بالأحرى، بدءاً من جيل عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي وآخرين من مجايليهم. هذا جيل منتمٍ إلى لحظة استفادت من سابقاتها، لكنها لم تؤسّس تطويراً حقيقياً لكوميديا قابلة للعيش. هؤلاء أتقنوا اللعبة. أثّروا في اللغة التمثيلية. كانوا آسرين بطلاّتهم البديعة، ونكاتهم التي تكاد «تقتل» من شدّة جمالها وسحرها، أحياناً. جُمل عديدة لكل واحد منهم تحوّلت سريعاً إلى مفردات يستخدمها كثيرون، هنا وهناك، في يومياتهم. استفادوا إلى أقصى حدّ من أسلافهم. طعّموا اشتغالاتهم بسمات خاصّة بهم. اللاحقون عجزوا عن بلوغ مستوى راق، كذاك الذي صنعه هؤلاء. الكوميديا في السينما المصرية لعنة، في الجيل اللاحق لهؤلاء تحديداً. حتى بعض هؤلاء فَقَد رونقه الكوميدي السليم لاحقاً. الكوميديا، هنا، باتت أقرب إلى الابتذال والتهريج السلبي منها إلى أي شيء آخر. بعض اللاحقين بجيل إمام صالح شلبي أوجد لنفسه انقلاباً ما على واقع أراده مدخلاً لا سلوكاً تمثيلياً. لكنه لم ينجح تماماً. أين هو يوسف عيد من هذا كلّه؟

صورة واحدة تظهر سريعاً، وتكاد تحتلّ المشهد كلّه: شخصية التابع. لكن، مهلاً: هل هو هكذا دائماً؟ يُخيّل إليّ أنه راضٍ بما صنعه في حياته. في لحظة الموت، يصعب عليّ أن أستعيد بطولة مطلقة له ذات حضور آسر. التأمّل ملياً بلائحة أعماله لا يؤدّي إلى «كشف المستور» كلّه. مع هذا، أجدُ فيه براءة عاملٍ في حقل كان يُفترض به (الحقل) أن يتّسع له ولأمثاله، وأن يمنحه مساحة أكبر وأعمق وأجمل. يُخيّل إليّ أنه راضٍ بما جناه على نفسه في صناعة متطلّبة للغاية، ومحرّضة دائماً على مواجهة التحدّيات، لإثبات وجود على الأقلّ.

طريقته في الكلام المليء بنبرة صارخة، وحركة يديه وهو يتكلّم سريعاً بصوت عال، وجلوسه على الكرسيّ في حضرة الآخر، أمورٌ ملتصقة بغالبية الأدوار التي أدّاها يوسف عيد، من دون أن تخرج على إطار وُضع فيه زمناً طويلاً. لكن، هل يكفي الراحل قولاً مفاده أن «الناس عندما تتذكّر اسم فيلم بفضل جملة أو «إيفّيه» قالها ممثل فيه، عندها يجب أن نؤمن بأن لهذا الممثل حضوراً و«كاريزما» عالية، وبأن الناس تحبّه» (أحمد حلمي في رثاء يوسف عيد)؟ ربما. لكن، لعلّ مشاهدته في آخر إطلالة سينمائية له بعنوان «الحرب العالمية الثالثة» (2014) لأحمد الجندي، في شخصية بوب مارلي (!)، قادرة على تقديم جواب ما، قد لا يكون إيجابياً كلّياً.

على الرغم من هذا كلّه، أميل إلى قناعة متواضعة، مفادها أن يوسف عيد كان يمتلك شيئاً جميلاً من صفاء النيّة الصادقة في اختيار التمثيل درباً «طيّباً» إلى الضحك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى