أبرزها مشكلات النشر وتجاوز الكتابات الشابة وتجاهل دورها

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

مع بداية فعاليات المعرض الدولي للكتاب في الدورة الأولى التي تنعقد في ظل تولي وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، تحضرنا تصريحات بشأن عدم وجود كوادر إدارية مجهزة لتسيير العملية الثقافية بشكلها النموذجي، ويلح السؤال هل تم تدارك القصور وتغير آلية الإدارة في القطاعات الثقافية؟ 

أم أنها أمراض مزمنة عصية على العلاج وأكبر من قدرات الوزراء على أرض الواقع لا نستطيع القطع بغياب المشكلات، حيث لا سبيل لحلها بين يوم وليلة لكونها متجذرة ومتفرعة وتمس جوانب متعددة، من بينها مشكلات النشر وتجاوز الكتابات الشابة وتجاهل دورها في إثراء الحركة الثقافية والتركيز على الأسماء التقليدية من الكتاب المعروفين، أو الدفع بإبداعات العاملين في وزارة الثقافة والسلاسل الأدبية على اعتبار أنهم الأولى من غيرهم بهذا الاستحقاق، لأنهم من داخل المؤسسة، وهذا ليس رجما بالغيب ولا ضربا من خيال، فالغالبية العظمى من إبداعات الشباب الصادرة عن هيئات وزارة الثقافة وقطاعاتها المختلفة هي للموظفين، وهناك عشرات الأسماء وعشرات الكتب تؤكد صحة الظاهرة يقابلها تعسف وبيروقراطية وتعقيدات روتينية في ما يتصل بمحاولات الآخرين من أصحاب المواهب الحقيقية الذين لا يتكئون على وساطات تدعمهم وتحفظ حقهم في خروج ما يكتبونه للنور.

تلك واحدة من المشكلات التي نوقشت مرارا وتكرارا، وربما كان النمنم نفسه شاهدا عليها أثناء عمله محررا ثقافيا قبل أن يعتلي منصبه كوزير للثقافة. البعض يتصور أن معرض الكتاب كرنفال احتفالي فحسب، وطقس يتجمع فيه الكتاب والشعراء وذوو الميول الثقافية من كل حدب وصوب، وتنتهي الدورة مع اليوم الأخير وينسون الهدف والرسالة وهي، إعادة فتح الملف الثقافي والتعرف على مشكلات الحالة الإبداعية برمتها، وما يتصل منها بالمشكلات الأخرى والنظر إليها بعين الاعتبار، لتتسنى معالجتها، فالثقافة أصل التوازن النفسي لشخصية وبدونها تحدث الاضطرابات على مستويات كثيرة، وليس صحيحا أنها فعل ترفيهي تتضاءل أهميته أمام الاحتياجات الأكبر.

التركيز الإعلامي على الضيوف الاعتياديين مجرد جانب من جوانب النشاط، ولكنه ليس الجانب الوحيد، فالحضور العربي لقمم الشعر والرواية مؤثر بلا شك ومعزز للمناسبات الثقافية الكبرى. ولسنا بصدد أدنى اعتراض على حالة الحفاوة والترحيب، بيد أن ما نرجوه هو وضع الحالة الثقافية المصرية على طاولة الحوار والنقاش بقدر كبير من الشفافية، ودراسة ما يمكن أن تصنعه الثقافة في مسيرة الإصلاح المصري والعربي ووسائل التخاطب والتواصل والتفاهم لتحقيق غاية التضامن العربي ووحدة الثقافة والمثقف.

أزمة أخرى تتكرر كل عام لا يعيرها أحد اهتماما كبيرا تتمثل في قلة عدد حضور نشاطات الشعر في المقهى ومخيم الإبداع، حيث الجالسون على المنصة يكلمون أنفسهم، إذ لا يزيد عدد الرواد على العشرة أفراد، الأمر الذي يعكس إهمالا لألوان الإبداع المختلفة ويعطي انطباعا بفساد المزاج العام وانقطاع الصلة بين السواد الأعظم من الجمهور وروافد الأدب والفكر، تلك الظواهر السلبية هي ما يجب مناقشتها ووضعها على جدول أعمال النخبة، قبل التنظير والتقصير والاستغراق في تهويمات الحداثة وما بعدها وضعف حركة الترجمة ومكامن القوة والضعف في القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا والجدل حول هيمنة الرواية إلى آخر الجعجعة المعهودة التي هي بلا طحن.

النزيف المالي في القطاعات الثقافية الرسمية أيضا أمر يستحق المناقشة، فهناك عشرات القصور الثقافية في مصر المحروسة تؤدي عملا روتينيا من دون قيمة حقيقية، وقد كتبنا مرارا وتكرارا في هذا الخصوص، لا سيما المتصل بمجال السينما ودورة التثقيف السنوية التي تكلف الدولة ملايين الجنيهات، فيما تفتقد صناعة السينما لأبسط مقوماتها من معامل ومواقع تصوير ودور عرض ودعم مادي ولوجستي. كل هذه القضايا مسكوت عنها ويتصور المسؤولون في وزارة الثقافة أنها غير ذي أهمية ويتجاوزونها في حساب الأولويات والأخريات، علما بأنها تمس الوسائط الجماهيرية الأكثر تأثيرا والأهم في تكوين الذوق العام.

البرنامج الذي تضعه إدارة المعرض للعناية بالفن يقتصر على توجيه الدعوى لعدد من نجوم السينما والمسرح من باب ذر الرماد في العيون وعادة ما يتم الاعتذار من جانب هؤلاء النجوم لإحساسهم بعدم الجدوى، لأن شيئا لم يتغير في المنظومة الفنية منذ سنوات وحتى الآن.

 

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى