أرفض تصنيف كتاباتي بزاوية أدبية معينة: الباحث المصري محمد حامد: «دور النشر الشبابية» كرست مبدأ الدفع مقابل النشر

عبد السلام الشبلي

في مؤلفاته الجديدة يتناول محمد حامد جانبا من تاريخ الصوفية الإسلامية عبر سلسلة بدأت بـ«هكذا تكلم جلال الدين الرومي» وانتهت «بالمتشوف» الذي يحاكي سيرة شمس الدين التبريزي، إلا أنه يرفض فكرة التخصص في الكتابة، مؤكدا أنه ككاتب باحث، يمكن له التبحر في أي مجالٍ يرى المكتبة العربية في حاجة إلى إغناء فيه، كذلك فإن حامد ينتقد بشدة دور النشر التجارية ويعتقد أنها مخادعة، خصوصا للكتاب الشباب المتسرعين في نشر كتبهم، مؤكدا أنه أسس دار «المحرر الأدبي» في سبيل الوصول إلى إصلاح بعض ما أفسده جزء من الناشرين في السنوات الأخيرة..
المزيد في الحوار التالي مع الكاتب والناشر المصري محمد حامد.

• نبدأ من أعمالك الأخيرة «الفراديس»، «هكذا تكلم جلال الدين الرومي»، «المتشوف»، لماذا تطغى النكهة الصوفية على هذه المؤلفات؟
□ انا ضد التصنيف، خصوصا إذا كان الكاتب باحثا، وبالنسبة للكتابة في موضوع الصوفية فقد بدأت بهذا المشروع الفكري قبل ثلاث سنوات، مدفوعا بعدة أسباب، كان أحدها انتشار موجة الكتابة ذات النفس الصوفي، وكنت كباحث أمام تحدٍ في ضرورة إغناء المكتبة العربية بالمراجع الخاصة بالصوفية عربيا، وهنا بدأت بأول كتبي «هكذا تكلم جلال الدين الرومي» وكنت على وشك الاكتفاء به، إلا أن كثيرين طلبوا مني إكمال المشروع بالكتابة عن الشيخ جلال الدين الرومي، وهنا انطلق مشروع كتاب «المتشوف» الذي أعود به إلى شمس الدين التبريزي، وكانت الصعوبات مع شمس أكبر لعدم وجود الكثير من المراجع العربية، وهذا ما جعل التحدي أكبر، إلا أنني الآن على وشك الانتهاء منه قريبا، وبين الكتابين أيضا حاولت بفكرة تجميعية لأنفس النصوص التي تجمع ما بين التصوف والسلفية في كتاب واحد بخلطة لاقت استحسان الكثير، فكان كتاب «الفراديس» الذي قارب على نهاية طبعته الأولى، إلا أنني أعود وأؤكد أنني باحث أكتب في عدة تخصصات وليس في تخصص واحد.

• تعود في كتبك إلى مراجع كبرى، وتنتقي منها ما تراه ثمينا، كما فعلت في «الفراديس»، كي تقدمه لقارئك، برأيك هل أصبح قارئ اليوم عاجزا عن العودة بنفسه إلى تلك المراجع الضخمة نسبيا؟
□ من الأمانة أن أنسب المعلومات إلى مراجعها، وأعرف القارئ على المنبت الحقيقي لها، وبالنسبة إلى فكرة أن القارئ عاجز عن الرجوع إلى المراجع، فبرأيي، هناك حاليا حالة من الانحسار لدى الكثير من القراء، خصوصا القارئ غير المتخصص الذي لا يهمه التحقق من المعلومة، وهنا تأتي مهمتي في تبيان واختيار المعلومة الأفضل للقارئ، لأن التأليف والنقل أمانة لدي، وبالتالي يجب علينا هنا التفريق بين نوعين من القراء، الأول متخصص مهتم يحاول البحث عن مرجع كل كلمة يقرؤها، وهذا النوع يتوفر أغلبه بين الباحثين والمتخصصين. أما النوع الثاني فهو القارئ السريع غير المهتم بمكمن المعلومة وهو القارئ العادي.

• أسست قبل مدة دار المحرر الأدبي للنشر، في ظل زيادة عددها في مصر، ماهي الدوافع وراء ذلك؟
□ للحديث في هذا الموضوع لابد أن نبحث في الأسباب التي دفعتني لتأسيس دار نشر، وهنا لا بد أن ننطلق مما حدث بعد 2011 حين انتشرت دور النشر التي عرفت باسم «دور النشر الشبابية» التي اعتمدت على فكرة الدفع مقابل النشر، وهنا بدأت المعضلة حيث انتشرت الكتب بأنواعها من رواية وشعر وغيره ومنها ما كان ثمينا وآخر لا يمكن أن يقرأ، إلا أن انتشار مثل هذه الدور التجارية في النشر أدى في النهاية إلى أن تجد آلاف العناوين التي لا يستحق القراءة منها إلا القليل. كل ذلك حرك المياه الراكضة حول إنشاء دار نشر تكون ذات مشروع أدبي، فكانت فكرة المحرر الأدبي، التي حاولت أن تؤسس لفكرة جديدة تعتمد على إعادة رأسمال الكاتب على أقل تقدير في نهاية الأمر، وكان النشر في الدار مدفوعا إلا أننا لم ننشر أي عمل، فلم يكن المال هو الوحيد الذي يحكم عملية النشر، بل كانت هناك عملية انتقائية للأعمال التي ننشرها، بإشراف لجنة متخصصة من الباحثين الأكاديميين، وأطلقنا فكرة المحرر الأدبي الذي يختلف تماما عن المدقق اللغوي، حيث إن مهمة الأول هي تدقيق النصوص المكتوبة والتصويب الأدبي لها، ووضع ملاحظات لتحسينها، فضلا عن رفض الغث من المكتوب مهما بلغت شهرة كاتبه، وهذا ما حدث معنا عدة مرات في دار المحرر الأدبي.

• حدثناعن كتابك المقبل «المتشوف» ؟
□ في الحقيقة الكتاب ذو عنوان غريب ربما، كوني أحب هذا النوع من العناوين، وفيه حاولت بداية الأمر الحديث عن الصوفي الذي يرى ما لا يراه غيره، طرأت بعض التحولات فيه إلى أن قررت في نهاية الأمر جعله كاملا عن شمس التبريزي، لأنه رأى بجلال الدين الرومي ما لم يره غيره، فضلا عن أن الأدب العربي الصوفي لم يتناول التبريزي بما فيه الكفاية. عموما انطلقت في حياة هذا الصوفي الذي جاء إلى قونية لينصهر بروح واحدة مع تلميذه جلال الدين الرومي، ويصل الأمر بمن حولهما لاتهامهما بالأباطيل، فضلا عن حالة الاستغراب التي كانت سائدة من التحول الذي أصاب الرومي نتيجة علاقته بالتبريزي، كل ذلك سيكون في كتابي إضافة إلى حكاية شمس الذي يعد من أبرز علامات التصوف الإسلامي، وبذلك أكون قد وفيت حق التلميذ الرومي والأستاذ التبريزي.

• هناك صبغة تجارية تسم دور النشر المصرية هذه الأيام، كيف تفسر ذلك؟
□ الصبغة التجارية تعود لأسباب كثيرة لعل أهمها انتشار الكتاب غير الصبورين على نشر أعمالهم، ما يؤدي لوقوعهم في يد دور نشر تبحث عن المال وهي كثيرة اليوم، تجده يوافق على العمل فورا دون قراءة أو مراجعة أو نقد أو تحسين، حيث لا يهمه سوى نيل المبلغ الذي يتفق عليه مع بعض الكتاب الذين يسعون إلى الطباعة دون صبر على منتجهم، فضلا عن ظهور أشباه الناشرين الذين لا يهمهم سوى المال، حيث أن الكثير منهم لا يفقه شيئا عن آلية النشر، بل تراهم في بعض الأحيان يسألون الكاتب القادم إليهم عن عدد معجبيه على الفيسبوك، كي ينشروا له.

• ماذا ينقص الكتاب الجدد في هذه الأيام؟
□ التسرع أحد أهم الأشياء التي تعيق الكتاب الجدد، وهو آفة يغذيها الناشر الذي يضع المال كأول أمر قبل أي شيء أثناء عملية النشر، كذلك فإن الكتاب الجدد يفتقدون التقييم النقدي الذي يمنحهم فرصة تلافي الأخطاء، فهم مقتنعون بفكرة الكاتب الأوحد الذين لم يكتب أحد مثله، فضلا عن تراجع القراءة لحساب الكتابة، فالكثير ممن يكتب، يفعل ذلك دون قراءات طويلة ومتعمقة ما يؤدي إلى ضعف في الجودة والمنتج من ناحية الفكرة واللغة، ما يجعل الكاتب يسقط مع أول ظهور له في عالم الكتابة لأن قارئ اليوم ليس ضعيفا ويعرف ما يريد في الكثير من الأحيان.

• ما القضايا التي تثير اهتمامك في مصر، وترى أنها تستحق الكتابة عنها في مقبل الأيام؟
□ الموضوعات التي يمكن أن يكتب فيها كثيرة، وبخلاف الموضوعات السياسية التي نشترك فيها جميعا كعرب منذ خمس سنوات، سنجد أن موضوعات كثيرة يمكن الكتابة فيها، والمؤكد أن «الأفكار مطروحة في الطرقات» كما يقول الجاحظ في «البيان والتبيين» والمهم هنا أن نبحث عن آلية عرض الفكرة وكيفية انتقائها، فضلا عن البحث عما يفضله القارئ، لأن قارئ اليوم قادر على تمييز واختيار ما يريده، ولم يعد من الممكن خداعه أبدا، فالفكرة الجديدة والملائمة للقارئ والذكية التي تخلق حالة من الإسقاط على الواقع هي أكثر ما يفضله القارئ في هذه الأيام.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى