الأردني زياد صلاح: الرواية رؤية ناجمة عن التقاطع بين الشروط الذاتية والموضوعية

الجسرة الثقافية الالكترونية

*اية الخوالدة

المصدر / القدس العربي

 زياد صلاح كاتب أردني يؤمن بأن الرواية إحدى صور المخيلة، لذا تبرز أهمية إعادة تشكيل الواقع في الرواية من خلال اللغة، ولا سيما اللغة الشعرية. الكاتب الذي صدرت باكورة أعماله الشعرية عام 2010 في ديوانه «وبعد»، صدرت له روايته الأولى «كان» عن دار موزاييك للنشر. حول هذه الرواية ومكنوناتها. كان لـ»القدس العربي» هذا الحوار.

■ ما هو سر كتابتك للرواية بعد قصيدة النثر؟
□ الكلمة التي نقولها أولاً، ليس بالضرورة أن تكون هي الكلمة التي نفكّر فيها قبل سواها. بالنسبة لي؛ ربما يكون من المستغرب القول: إن كلاً من قصيدة النثر والرواية سابقة على الأخرى.. ولاحقة لها في الوقت نفسه، فهل هذا هو «السر» أعني الجواب؟ ربما.. ولكن؛ لنختبر ذلك في الحقيقة التالية: ديوان الشعر الذي صدر تحت عنوان: «وبعد ؟» سابق في النشر على الرواية التي تحمل عنوان «كان»، رغم أنها سابقة عليه في الكتابة.
■ القارئ لروايتك يجدها انقلابا واضحا على شكل الرواية الكلاسيكية التي اعتدناها، فما هو السبب؟ هل تعتبر أن على الرواية الكلاسيكية أن تكسر قالبها وتتجه نحو التجديد الجذري؟
□ في وسطنا الثقافي، خاصة في المشرق العربي، ما يزال مفهوم الرواية يعتريه الكثير من الالتباس. فهنالك خلط واضح بين «الحكاية» بوصفها رواية كلاسيكية سردية، وبين «الرواية» بوصفها رؤية خاصة ومركّبة، ناجمة عن التقاطع الحاد بين حزم من الشروط الموضوعية، وحزم أخرى من الشروط الذاتية. ببساطة؛ الحكاية هي إحدى صور الذاكرة.. أما الرواية فهي إحدى صور المخيلة. ومن هنا تبرز أهمية إعادة تشكيل الواقع في الرواية من خلال اللغة، ولا سيما اللغة الشعرية.
■ «مثال»، «شاهد» و»وعد»، من اسماء الشخوص في الرواية، اسماء رمزية تحمل الكثير من المعاني، ما الرسالة التي أردت إيصالها من خلالهم؟
□ الإجابة عن هذا السؤال تكمن في سياق الرواية.. لكن، لا بد من إيجاد الوسائل المبتكرة الكفيلة بتحقيق «الاستثمار المعنوي» الأكثر جدوى للعلاقة الجدلية بين الدال والمدلول، وبين الحامل والمحمول. وليس هنالك من هو أجدر بذلك من شخوص الرواية الذين يصنعون الأحداث، ويصيغون الوقائع والمجريات. وما الأسماء التي نعرفهم بها إلاّ مفاتيح لفظية لأبواب شخصياتهم السريّة الموصدة.
■ احتل المكان في روايتك مساحة جيدة، ما بين مدينة السلط وعمان وإربد، نقلت الحنين إلى الأرض وحب الانتماء إلى المكان. فما الذي يعنيه لك المكان؟
□ المكان ـ وكما ورد في أحد فصول الرواية – هو صورة للزمان. ولنا أن نتخيّل كيف تكون طبيعة التأثير المتبادل بين أصل الشيء وصورته، أي وبلغةٍ فارقة إننا نعيش في (الأصل) على مستوى الظرف الزمني، ونعيش في (الصورة) على مستوى الظرف المكاني. ولا يمكن التفكير في هذه المعادلة الوجودية أو التعبير عنها إلا من خلال اللغة. لغة جامحة تسبق كلماتها معانيها.. مثلما تسبق الخيول صهيلها.
■ فيما لعب الزمن دور البطولة، فأيهما يترك الأثر الكبير في نفس القارئ ويجذبه لمعرفة أسرار وخبايا الرواية؟
□ الزمن؛ دائماً شئنا ذلك أم أبينا ـ يلعب دور «البطولة المطلقة» في الواقع كما هو في الكتابة، عدا عن أنه يتخلّل بحكم طبيعته الجوهرية الغامضة، كل الأشياء التي تؤدي الأدوار الأخرى المكمّلة، بما فيها الإنسان والمكان. ولندقّق جيداً؛ فلو تمكّنا بطريقة ما من تحليل اللغة على نحو جذري، لاكتشفنا بأن منشأها هو الزمن. وهذا أحد أهم – إن لم يكن أهم ـ الأشياء التي أردت أن أقولها من خلال هذه الرواية.
■ كونك كتبت الشعر أيضا، كيف يمكن أن تؤثر لغة الشاعر على الرواية؟ هل تمنحها بعدا شعريا ولغة عالية؟
□ يبدو أن اللغة في الأجناس الأدبية الراهنة على اختلافها، تكاد تكون واحدة. وهذا في نظري يشكّل تحدّياً من نوع آخر، على مستوى الشكل والمضمون. فنحن لا نستطيع إغفال التقدّم المتسارع وشبه القسري، باتجاه ما يسمى «وحدة الأجناس «. ولكننا في المقابل لا نستطيع التخمين حول ما يمكن أن يحدث لاحقاً. هل هو المزيد من التقارب، أم معاودة التباعد من جديد؟ الجواب في «أدب المستقبل». غير أننا في الحاضر، لا بد أن نفرّق بين كل من اللغة السردية، واللغة المقتصدَة، واللغة المكثّفة، واللغة المجرّدة، واللغة الشعرية. فالأولى هي لغة الحكاية، أما الثانية فهي لغة العلم، وأما الثالثة فهي لغة القصة، وأما الرابعة فهي لغة الفلسفة، وأما الخامسة فهي لغة الشعر. بالنسبة للرواية؛ فهي قابلة ومؤهلة لأن تجمع بين كل هذه اللغات، وبكل ما يمكن أن ينتج عن ذلك من تعالقات. من هنا يبدو أن أسباب الافتراق بين هذه اللغات قد تحولت إلى أسباب اقتراب.
■ «المنطق الخالص» تحدثت فيه عن العلمانية، والضبابية المحيطة بهذا المفهوم. برأيك، ما هو دور الكاتب في تحفيز التفكير السليم عند عقول الشباب وتمكينهم من ملكة الإدراك الصحيح للأمور والمقارنة والتحليل؟
□ لقد أشرنا إلى «المعادلة الأدبية « المتعلقة بالحامل والمحمول.. والأدب كما هو الفن بالضرورة ينبغي أن يحمل رسالة ما، وإلا استحال إلى ضرب من التهويم تحكمه نزعة عبثية. أما عن المحتوى الضمني لهذه الرسالة، فهو «الكشف» الذي لا يتأتى إلاّ بمزيد من الجرأة في الطرح، والقدرة على تحقيق أكبر قدر ممكن من الاختراقات على مستوى اللغة من جهة، وما تحمله من دلالات جديدة من جهة أخرى. وكما أن الكتابة الإبداعية قد تطرح أسئلة معينة بهدف البحث عن إجابات شافية عنها، فإنها كذلك، قد تحمل إجابات متقدمة عن أسئلة متأخرة.
■ بالعودة إلى كتابك الشعري «وبعد» برأيك كيف يستطيع الشاعر أن يستوعب شروط قصيدة النثر ويقرأ أسرارها ويفك ألغازها ويعرف مواصفاتها قبل أن يكتبها؟
□ هنالك اعتقاد سائد وخاطئ بأن اللجوء إلى كتابة قصيدة النثر عادة ما يكون من باب الاستسهال، والتحلل من قيود الوزن والقافية، لكن، ومن خلال تجربتي الشخصية أقول إن الشعر هو: «الصورة الشعرية»، ولا شيء آخر سواها. وليس أدل على ذلك مما يسمى «النظم»، فهو خالٍ من الشعر. إذن؛ الشعر في حقيقته ليس نظماً، وإذا ما نُزِع الأخير من الأول فإنه لن يفقد خواصه الشعرية. وهذا ما يعاكس صورة الاعتقاد السائد، فمن حيث يكون الاستسهال الظاهري هو المهرب الفني للكتابة الشعرية في نظر البعض، يتحول هذا السلوك الأدبي إلى تحدٍ ماثل أمام الشاعر، بحيث يكون مطالباً بأن يقدم قصيدة شعرية حقيقية اعتماداً على موهبته ومقدرته فقط، من دون الاتكاء على أي من الوزن أو القافية. وعلينا أن نعي بأن كل قصيدة نثر جديدة تحمل طابعها الخاص الذي يحتوي بدوره على إيقاعها المتناغم مع طبيعة تكوينها. إنها تقدم نفسها كمشروع أدبي مؤسس على مجموعة من المقترحات الفنية المبتكرة. وهي بذلك تمثل حالة تحرر من الكثير من القيود.. ولكنها بالتأكيد ليست بلا حدود.
■ ما هو مشروعك المقبل؟
□ حاليا أنا متورط في العمل بخطوط متوازية وفي عدّة مشاريع مختلفة. فهنالك موضوع يتعلق بالأدب، وآخر بالنقد، وثالث فكري. وبالطبع، فإن هذه المشاريع ليست وليدة الصدفة أو اللحظة، بل أن لها جذوراً ضاربة في تربة الماضي التي تستمد خصوبتها من التجربة، ولا أدري متى سيكتمل نموها ويدنو ثمرها؟
فلنعترف بأن الذاكرة هي الأم.. والخيال هو المولود.. وأن اللغة هي القابلة التي تخرجه إلى حيّز الوجود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى