الحريات الإعلامية في العالم العربي.. هل تطورت أم تراجعت بعد الثورات؟

الجسرة الثقافية الالكترونية

محمد عايش-

 تدهورت الحريات الصحافية والإعلامية في العالم العربي بصورة مضطردة خلال السنوات القليلة الماضية بالتزامن مع ثورات الربيع العربي التي كان من المفترض أن تنتفض على الأنظمة المستبدة وتؤدي الى رفع سقف الحريات الأساسية وتخفف من أعمال القمع التي كانت تمارس في العديد من الدول العربية.
وبدلاً من ذلك تراجعت الحريات في أعقاب ثورات الربيع العربي، وسجلت المنظمات الحقوقية أعداداً أكبر من الإنتهاكات، فيما أرجع بعض المراقبين أسباب التراجع في الحريات الى حالة الإستقطاب السياسي الحاد التي أعقبت الثورات العربية، فيما يقول متخصصون إن دول الثورات لم تعد الى حالة الإستقرار حتى الآن، ومازالت تعيش مرحلة انتقالية ومن الطبيعي أن تشهد مثل هذا الحجم من الإنتهاكات في هذه المرحلة.
لكن الظاهرة اللافتة التي يرصدها الكثير من المراقبين أن وسائل الإعلام في العالم العربي انتعشت بصورة كبيرة ونادرة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة مع تصاعد وتيرة الإستقطاب السياسي في المنطقة، إلا أن سقف الحريات تهاوى بالتزامن مع هذه الطفرة الإعلامية، في حالة يرى الكثيرون أنها مشوهة، حيث أن المنافسة العالية من المفترض أن ترفع سقف الحريات وتؤدي الى منتج أفضل.

تدهور بدل الإنتعاش

ويجمع الكثير من الصحافيين والحقوقيين العرب على أن الحريات تدهورت في السنوات الأخيرة رغم أن ثورات الربيع العربي كان من المفترض أن تنتج مناخاً أفضل من الحرية، وتنهي عصر هيمنة الأنظمة المستبدة على وسائل الإعلام، وهو ما لم تتمكن الثورات من إنجازه حتى اللحظة، باستثناء تونس التي تشكل حالة مختلفة عن غيرها من دول الثورات، بحسب ما قال حقوقي وناشط لــ»القدس العربي»، مؤكداً أن «الحريات تحسنت في تونس بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي».
وشهد العالم العربي خلال الأعوام الثلاثة الماضية إطلاق عشرات الفضائيات الجديدة والصحف والمجلات والإذاعات، فيما تسابقت كل وسيلة من هذه الوسائل الإعلامية على تبني خطاب سياسي معين على حساب الخطابات الأخرى من أجل كسب الكم الأكبر من الرأي العام، فيما تدفق المال السياسي بكثرة على وسائل الإعلام من أجل شراء الولاءات وتأمين منابر جديدة للترويج السياسي.
ويتفق المحامي والحقوقي في منظمة «الكرامة» لحقوق الإنسان في جنيف نائل جرجس مع القول بأن الحريات الإعلامية تراجعت بصورة حادة في العالم العربي في أعقاب الثورات التي بدأت في العام 2001، مشيراً الى أن «الأنظمة المستبدة كانت تقمع الإعلاميين في السابق، أما الآن فثمة أنظمة وميليشيات وأطراف سياسية كلها تمارس أعمال القمع والإضطهاد وتنتهك الحريات الإعلامية التي من المفترض أن تصونها».
ويرى جرجس أن «القمع أصبح مزدوجاً بعد الثورات، باستثناء تونس التي انتعشت فيها الحريات الأساسية ومن بينها حرية التعبير عن الرأي» معتبراً أن «الاستقرار الحالي يلعب دوراً مهماً في حماية حرية التعبير».
ويستشهد على ما يذهب اليه بالنموذج السوري، حيث يشير الى أن «حالة الخوف ازدادت في سوريا بعد الثورة» وأن «المواطن السوري كان يخاف إستبداد النظام، أما الآن فيخشى من النظام الذي ازداد استبداداً، ويخشى من الميليشيات المسلحة التي تحاصر الحريات بكل أنواعها».

مرحلة إنتقالية

لكن جرجس يأمل أن يكون التدهور الحاصل في الحريات الإعلامية، والأساسية عموماً في العالم العربي مرده الى «مرحلة إنتقالية ستنتهي قريباً» إلا أنه يؤكد أن الفترة الحالية شهدت شيوعاً كبيراً للإنتهاكات التي طالت صحافيين ومؤسسات إعلامية من أجل التأثير في الخبر، فضلاً عن تدخل من السلطات الحاكمة بصورة مباشرة من أجل الترويج لروايات بعينها، وهو ما يذهب اليه أيضاً الكاتب الصحافي ورئيس «المرصد العربي لحريات الرأي والتعبير» قطب العربي الذي يعتقد أن وسائل الإعلام في بعض الدول العربية أصبحت مرتهنة للأنظمة السياسية كما هو حال الإعلام المصري الذي «أصبح رهينة في يد النظام العسكري الحاكم» بحسب ما قال لــ»القدس العربي».
ويرصد قطب العربي قائمة طويلة من الإنتهاكات التي تتعرض لها وسائل الإعلام في مصر، مستدلاً منها على واقع الإعلام العربي وما وصل إليه بعد الثورات العربية والتطورات التي تلت هذه الثورات.
ويضيف إن «الإعلام المصري لم يعد فيه صحافيون مستقلون ولا مهنيون، وأصبح الآن مقتصراً على أذرع العسكر الذين يحكمون البلاد حالياً، باستثناء بعض الأصوات النشاز التي تمثل مصدر قلق للرئيس عبد الفتاح السيسي حالياً».

600 إنتهاك في مصر

وبحسب تقرير صادر عن «المرصد العربي لحرية الإعلام والتعبير» فان مصر شهدت أكثر من 600 إنتهاك للحريات الصحافية والإعلامية خلال الفترة من الثالث من تموز/يوليو 2013 وحتى الثالث من تموز/يوليو 2014، أي خلال العام الأول من عزل الرئيس محمد مرسي.
وقد رصد التقرير 600 إنتهاك ميداني تعرض لها الصحافيون والمراسلون والمصورون، كما رصد وقوع 10 حالات قتل و60 حالة إصابة، وإغلاق 27 قناة مصرية وعربية و3 صحف ومحطتي إذاعة خاصتين و3 مواقع إخبارية.
وكشف التقرير عن استمرار حبس 66 صحافياً وإعلامياً من بين 91 تم إحتجازهم لمدد طويلة، قبل أن يتم إطلاق 25 منهم تباعاً، وأوضح أن المحبوسين حالياً بعضهم يقضي عقوبات بالحبس صدرت من محاكم مدنية أو عسكرية وبعضهم بأوامر من النيابة دون أن يتم توجيه إتهامات جنائية لهم تستدعي إحالتهم للمحاكم حتى الآن.
وكشف التقرير عن عمليات فصل واسعة خلال فترة العام الواحد التي تلت عزل مرسي، حيث تعرض الكثير من الصحافيين الى الفصل من أعمالهم أو المنع من الترقيات أو تجميدها بسبب رفضهم للنظام أو معارضتهم لما تبع الثالث من تموز/يوليو 2013 أو بسبب تعاطفهم مع الرئيس السابق مرسي، كما تم منع نشر مقالات ومنع ظهور هؤلاء المعارضين عبر وسائل الإعلام القومية والخاصة.

دول الربيع العربي.. تراجعت

وبحسب أحدث التقارير الصادرة عن منظمة «مراسلون بلا حدود» فقد تراجعت دول الربيع العربي كافة في مجال الحريات الصحافية، حيث احتلت اليمن المرتبة 169 عالمياً لتصبح من بين الدول العشر الأقل احتراماً لحرية الصحافة في العالم.
وحلت سوريا في ذيل الترتيب في المنطقة العربية حيث جاءت في المرتبة 176 عالمياً، خلف ما أطلقت عليه منظمة «مراسلون بلا حدود» الثلاثي الجهنمي الذي يضم كلاً من تركمانستان وكوريا الشمالية وإريتيريا.
وحازت دولة موريتانيا على أفضل ترتيب في المنطقة العربية حيث احتلت المرتبة 67، وتحتل دول الشرق الأوسط ترتيبا متدنيا حيث تتفوق عليها دول إفريقية كغانا التي تحتل المرتبة 30 أو النيجر التي تحتل المرتبة 43.
أما ليبيا فتحتل المرتبة 131 عالمياً، لكن من المتوقع وفقًا للتقرير أن تخرج ليبيا من قائمة الدول التي تعتبر فيها حرية الإعلام في وضع حرج.
#القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى