الذاكرة والمحو في رواية «تياترو ثرفنطيس» لنسيمة الراوي

 

صدرت عن دار العين في القاهرة رواية «تياترو ثرفنطيس» للمغربية نسيمة الراوي، وتتوزع الرواية على ثمانية فصول. تشكل الذاكرة الخيط الناظم بين فصولها؛ حيث يتحول استرجاع الماضي وسيلة لمقاومة المحو وترميم الانكسارات؛ ذلك أن الساردة/ أحلام تلجأ إلى أسلوب التعرية لإزاحة الغموض عما يثقل الذاكرة، سواء الذاكرة الفردانية أم الجماعية، ويتحول مسرح ثرفنطيس إلى رمز يضمر تناقضات الذات والمجتمع بما هي تناقضات تشكلت في سياق تحولات سياسية مست القيم والعلاقات الإنسانية، ذلك أن الرواية تطرح جملة من الثنائيات من قبيل الماضي/ الحاضر، الجنون/ العقل، الوفاء/ الخيانة، الثبات/ الانهيار، ما عاشته الذات/ ما لم تعشه، وهي تناقضات نستخلصها من طبيعة الصراع الدائر في فصول الرواية.
إن أحلام بما هي ساردة الرواية، تقدمها الرواية في طابعها الدرامي، فهي فتاة تخرجت من الجامعة بعاهات في الروح والجسد، وتخرجت من مستشفى الأمراض العقلية بعاهات في الذاكرة، وتتخذ من الحكي وسيلتها لتعيد بناء تاريخها الخاص وتاريخ المغرب الحديث، وما صديقها مراد سوى رمز لأحلام اليسار وانكساراتها وتحولها إلى النقيض، وقد صيغ هذا التاريخ الخاص ضمن امتداد عمراني هو طنجة، ذلك أن الرواية واكبت تحول المدينة ومعالمها، وكيف أن الرأسمالية استولت على المدينة وغيرت ملامحها، بينما انهارت المؤسسات الثقافية، فاختزلت الرواية تحولات المدينة في رمزية المسرح الآيل للسقوط.
إن أحلام تقاوم النسيان عبر فعل التذكر، وتعيد تمثيل ما تتذكر وفق قالب سردي ينبني على المفارقة من حيث بناء الأحداث، ويتأسس على رصد دقيق للداخل المثقل بالانفعالات والعواطف، وبين الخارج المثقل بما هو مادي، ذلك أن السرد يتحول إلى طاقة تنبني على الامتداد دون أن يعني ذلك امتداد الخطية؛ فالرواية تتراوح في بناء أحداثها على تعدد الأزمنة والمزاوجة بين الاسترجاع والاستباق، ومنح السلطة للأنا المتكلمة كي تعيد إنتاج ما تعتقد أنها عاشته، وقد عمق هذه الازدواجية لجوء الرواية إلى نمطين أسلوبيين في بناء الأحداث: النمط التعييني وقد ارتبط بالحوارات والوصف، والنمط الشعري وقد ارتبط بتفجير الداخل عبر نقل الساردة لانفعالاتها وتقييماتها لما تواكبه عيناها.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى