الشلبي: الإبداع والابتكار ليسا في الصناعات الثقافية الانغلو ساكسونية… الاهتمام بالتعددية اللغوية لتجاوز القارات وتعايش الشعوب

الجسرة الثقافية الالكترونية
*اية الخوالدة
المصدر / القدس العربي
في اللقاء الثقافي الشهري الذي تعقده دارة الفنون في العاصمة الأردنية عمان، قدم جمال الشلبي محاضرة عن «التعددية الثقافية: جزء من العولمة» أشار فيها إلى إشكالية مصطلح «ثقافة العولمة» بسلبياته التي تلمح لهيمنة ثقافات أقوى.
وفي اللقاء الذي أداره فيصل دراج، بدأ المحاضر حديثه عن أنواع العولمة، مبينا أن هناك نوعين من العولمة عبر التاريخ هما: الاقتصادية وتتمثل بانفتاح الأسواق، والثانية سياسية متمثلة في البحث عن رؤية ديمقراطية للمجتمع الدولي.
وأضاف: «لقد أثارت العولمة منذ بروز حركة «بورتو الجير» في البرازيل عام 2005 زيادة مطالبات في ما يتعلق باحترام «الهويات الثقافية». فالشعوب لا تريد إلا أن تكون في إطار العولمة على شرط تقليل حالة اللامساوة الاجتماعية والاقتصادية، والاحتفاظ بجذورهم وهوياتهم كذلك.
يرى الشلبي أنه أصبحت للتعددية الثقافية حدود جديدة، وهو تحد إضافي لا بد من التعامل معه وإدارته. ويعد توقيع اتفاقية اليونسكو عام 2006 لاحترام التعددية الثقافية نجاحاً مهماً من الناحية المعيارية والنظرية. وبالتأكيد لا أحد يحترم بشكل حقيقي على أرض الواقع هذه التعددية الثقافية المنشودة وإن كان هناك اعتراف «بمبدأ المساواة» لكل اللغات والثقافات والحضارات.
«مسألة «التعددية الثقافية» دخلت المجال السياسي، مجبرة البيانات السياسية والسياسات العامة للدول أن تفكر بهذا الأفق المعياري الجديد – بحسب الشلبي – الذي أكد أن الاتصال غير منفصل عن هذه الإشكالية فعبر وسائل تكنولوجيا الاتصال المتعددة مثل: الراديو، التلفزيون، والإنترنت فهي عوامل مسرعة في حركة الثقافات؛ أي الانفتاح من جانب، وتعزيز عدم المساواة الثقافية عبر موازين الصناعة الثقافية والاتصالية.
وحول إمكانية التعايش بين الثقافة والاتصال والسياسة، ذهب الشلبي إلى عدة طرق، منها «التفكير بالهوية والآخر» في عالم مفتوح، حيث كل العالم يرى كل شيء؛ أي الاختلافات أوضح من التشابهات، يجب التعلم على التسامح. موضحا: «أن العالم متعدد الأقطاب ومتعدد الثقافات وكلاهما يسيران بالخط نفسه معا. ولا تمنع الحدود العلاقة مع الآخر، والحالة هذه تعد المحافظة على الهويات الثقافية شرط أساس للتعددية الثقافية والتفكير، وأيضاً في العلاقة في المجتمع الدولي؛ أي تجاوز كل الخلافات والعمل على التعايش مع الآخرين».
ومن الأبواب المفتوحة أيضا لمثل هذا التعايش «إعادة التفكير في الاتصال» أي «المشاركة» مع أولئك الذين يفهموننا، وفي الأغلب فإن الأمر يتعلق بالتفاوض من أجل إيجاد أرضية مشتركة من التفاهم بين شراكات مختلفة.
إذن، نذهب من النقل إلى المشاركة إلى التفاوض. وإن كان التفاوض يفترض الاعتراف بالمساواة مع الآخر، الأمر الذي يعطي أفضلية للرؤية السياسية على الرؤية الاتصالية، بمعنى التفاوض بين أفراد أو جماعات مختلفة، وليس مجرد تفاعل تقني؛ نتجاوز التقنية كما نتجاوز المعلومات. وهذه الأخيرة تبرز قيمة الرسالة مع فرضية تشابه المرسل والمستقبل. الاتصال يقبل واقع الآخر وضرورة بناء علاقة معه.
أما الطريقة الثالثة في رأي الشلبي فهي «الاعتراف بأهمية التعدد اللغوي»، فمن دونها
لن تكون هناك تعددية ثقافية، ولا سياسة تعايش ثقافية، ومنذ البداية الاعتراف «بأن بالتعددية، التعددية اللغوية التي في قلبها إعادة الاعتبار للغات الأصيلة، الأمر الذي يجبر على التدريب على الأقل على تعلم 3 لغات؛ منها اثنتان ذاتا توجه دولي. ويجبر، بالنهاية، على إعادة تقييم وضع المجالات اللغوية التي تتجاوز القارات وتسمح بتعايش الشعوب والثقافات المختلفة التي تتشارك باللغة العامة نفسها».
التعددية الثقافية من وجهة نظره هي أيضاً، تقليل التمركز العالمي لصناعة الثقافة والاتصال، حيث يقول: «دعوا التعددية الإقليمية تتطور؛ الإبداع والابتكار ليس في الصناعات الثقافية الانغلوساكسونية. تكفى الإشارة إلى النجاحات التي حققتها المسلسلات الأمريكية الجنوبية في العالم العربي، كـ»ساندرا» وغيرها، أو حتى المسلسلات التركية في العالم العربي مثل: «العشق الأسود»، و»نساء حائرات» وغيرها. وبالتالي يجب دعم وتشجيع الصناعات الثقافية الوطنية التي هي عامل من عوامل بناء الهوية مثل الصحافة، والراديو والتلفاز والسينما والمسرح، وهذا يحافظ على إبداع اللغة للاقتصاد والعلم، والتعليم والرياضة والهوية؛ إن اللغة هي الأقوى في مجالات الإبداع المختلفة.
وفي نهاية حديثه أكد الشلبي على أهمية قبول منطقين وسرعتين للعولمة تحت طائلة أن تصبح العولمة عامل صراعات إضافيا.. متسارعا بالمال والاقتصاد والاستثمارات يتجنب على الأقل النتائج الكارثية التي عرفناها مع الأزمة المالية وسرعة المجتمع، للثقافة والتسامح، التي تسير بوتيرة أقل بكثير من سابقاتها. وبكلمات أخرى يجب ابتكار نموذج للتعايش بين المنطقيات والسرعات المختلفة؟
ربما يمكن اعتبار التعليم هو الوسيلة المثلى لتجنب السرعات والمنطقيات المختلفة، ولكن هذا يحتاج إلى وقت وميزانيات واردة سياسية، وبالخصوص سياسة اتصالية بعيدة المدى داخليا وخارجيا.