العراقي وائل المرعب: لا أميل إلى الأسلوبية التي تكبل الفنان بالأصفاد

الجسرة الثقافية الالكترونية
*صفاء ذياب
المصدر / القدس العربي
بمجرد أن تدخل لأي قاعة للفنون التشكيلية تبدأ بالتعرف على لوحات الفنان وائل المرعب، حتى إن لم يوقع على لوحته، فللمرعب ألوانه التي عُرف من خلالها وخطوطه المميزة، فلكل عمل لديه بناء خاص، يربط بين التعبيري والتجريدي، فضلاً عن ألوانه التي يخلطها بعناية ليبرز قدرته على التعامل إحساسه وتقنيات لوحته.
ولد المرعب في الحلة عام 1947، وأقام أكثر من عشرة معارض شخصية في العراق وخارجه، منها: بيروت 1974، أثينا 1979، بغداد 1985- 1988- 1990، عمان 1992، قطر 2002، الإمارات 2009 و2010، وغيرها. فضلاً عن مشاركات كثيرة في معارض جماعية.
وعلى الرغم من انتقال المرعب بين أكثر من مدرسة فنية، غير أنه اختار لنفسه التعبيرية ليقدم من خلالها عدداً من المعارض مؤخراً.. إضافة إلى كتابته في التشكيل والشعر الذي أضاف له الكثير في بناء لوحته الخاصة. عن المدارس الفنية ولوحاته الخاصة، كان لنا معه هذا الحوار:
■ لا تخلو لوحة من لوحاتك من الجسد.. جسد يرقص.. جسد يعزف.. جسد يتمايل.. جسد لرجل.. جسد لامرأة.. ماذا يمثل لك الجسد في اللوحة، وماذا يمثل لك في الحياة؟
□ أنا أؤمن بالإنسان كونه أعلى قيمة بالوجود، لذلك أرى أن الأعمال التي تخلو من التشخيص خالية من الهم الإبداعي، وأكيد هناك الكثير ممن يخالفوني في توجّهي هذا.. أنا أعتبر اللوحة المجرّدة من الأشكال، على الرغم من أني مارست هذا النوع من الرسم فترة طويلة، تقترب من اللوحة التزيينية التي نكمّل بها ركناً حديثاً من الديكور. طبعاً ليس معنى هذا أني أميل إلى الرسم الواقعي الذي يتطابق مع ما موجود بالطبيعة تطابقاً تماثلياً بحتاً، كما أنني لستُ ضد الأساليب الأخرى مهما كانت، فكل لوحة مستوفية الشروط الفنية هي لوحة إبداعية، سواء كانت تجريدية مروراً للوصول إلى الواقعية الأكاديمية، لكني على المستوى الشخصي أنتمي إلى التعبيرية، التي عمادها الرئيس هو التشخيص.
■ عاصرت عدداً من المدارس الفنية في العراق وفي العالم، حتى اخترت لنفسك خطاً فنياً تميزت به، ما أهم المدارس والتجارب الفنية العراقية والعالمية التي أثرت بك، وكيف استفدت من كل هذه التجارب للخروج بلوحتك الخاصة؟
□ الفن هو عملية بحث دائم.. لذلك فأنا لا أميل إلى الأسلوبية التي تكبّل الفنان بأصفادها حتى تصدأ بمرور الوقت.. هناك الكثير من الفنانين مضى عليهم أكثر من ثلاثين عاما وهم يرسمون اللوحة نفسها مع إجراء تغييرات بسيطة حتى أصبحنا لا نزور معارضهم لأننا مسبقاً، نعرف طبيعة اللوحات المعروضة، وليس معنى هذا أني أرفض أو ضد خصوصية الفنان أو بصمته أو توقيعه، فالراحل الكبير كاظم حيدر له أكثر من أسلوب، لكن كلها عليها بصمته وألوانه، لذلك أنا مررت بالكثير من التجارب بضمنها اللوحة الحروفية حتى استقررت أخيراً على التعبيرية. وربما إذا وجدت أنها استهلكت ولم تعد تمثلني قد أعيد النظر فيها وفي الأسلوب برمته.
■ ما يميز أعمالك التشكيلية هو اللون، فلوائل المرعب تركيبات لونية عرف بها وعُرفتْ من خلالها لوحاته، كيف تبني لوحتك من خلال اللون؟ وما فلسفتك باختيار ألوان اللوحة؟
□ أنا لا أفرض على اللوحة ألوانها، ربما العكس هو الصحيح، فالموضوع وتوزيع الكتل والحالة النفسية وظروف المحيط عند انشغالي بعملية الرسم هي التي تفرض عليّ ما أختار من ألوان، إضافة إلى أنني أميل باللاوعي إلى اختيار الألوان الحارة تأثراً بطبيعة جو العراق وشمسه اللاهبة طوال أشهر السنة، ناهيك عن تأثيرات الاغتراب الذي يجعلني أكثر تشبثاً بهذه الألوان استجابة لإفرازات الحنين للبيت (الوطن).
■ من خلال أعمالك وأعمال العراقيين عموماً، هل ترى أن هناك خصوصية في التلوين العراقي؟
□ هناك صعوبة في تحديد خصوصية لونية للرسم العراقي بصورة عامة بسبب تنوّع المدارس والمذاهب الفنية التي اعتمدها الفنانون العراقيون في أساليبهم، إضافة إلى أن تاريخ بداية الرسم العراقي لم يكن موغلاً بالقدم، إذ بدأ أوائل القرن العشرين على يد عبد القادر الرسام ومجايليه، وقبله كانت هناك قطيعة فنية تمتد إلى رسوم الواسطي. وفي الحقيقة، أننا لم نرث سمات لونية تطبع الفن العراقي، كما هي مثلاً في الرسم الصيني أو الهندي أو اللاتيني، لكن من الممكن القول إن اللون الترابي المطبوع في ذاكرة الفنان بسبب أجواء العراق المتربة على مدار السنة، فرض نفسه على أعمال الكثير من الفنانين ولعلّ أعمال الخالد فائق حسن في المقدمة منها، وكذلك أعمال عبد الجبار سلمان وتركي عبد الأمير وسعدي الكعبي وغيرهم، الذين غلب اللون الصحراوي على أعمالهم، وحتى العديد من أعمال فناني الحداثة أو ما بعدها كأعمال شاكر حسن آل سعيد وكريم رسن وهناء مال الله وغسان غائب وغيرهم، إذ لم تنج أعمالهم من تأثيرات اللون الترابي ومشتقاته.
■ ما أهم مراحل تطور تجربتك الفنية، وكيف يمكنك تقسيم هذه المراحل حسب المدارس الفنية؟
□ في بداية مشواري الفني مارست العمل الصحافي وذلك برسم الموتيفات الملحقة بالقصائد والقصص، ثم انتقلت إلى رسم اللوحات وبالألوان معتمدا الأسلوب الرمزي التعبيري، وما دام العمل الفني هو بحث دائم لا يتوقف فقد مررت على أغلب الأساليب والمدارس الفنية، إذ سيطر التجريد على الكثير من أعمالي، لكنّي في النهاية لم أجد نفسي فيه فأستقررت حالياً على التعبيرية التشخيصية.
■ ضاعت الكثير من لوحاتك ولم تحتفظ بنماذج من مراحلك الفنية والتاريخية، ما شعورك حينما يمر طيف لوحة كنت قد رسمتها في بداياتك، أو في أثناء مرحلة أو ذكرى مهمة في حياتك؟
□ هناك الكثير من الأعمال التي بيعت من دون أرشفتها، وكذلك اللوحات المتحفية التي سرقت من مركز الفنون تعنّ علي أحياناً تفصيلاتها، فتوقظ فيَّ الندم والحسرة، وقد حاولت جاهداً العثور على هذه اللوحات التي سرقت لكن من دون جدوى.. إن أي عمل فني هو تسجيل لحالة الفنان وقت تنفيذه، لذلك فضياعه وفقدانه بمثابة فقدان ذاكرة الفنان النفسية والاعتبارية.
■ اختلف الفنانون في تقييمهم للجانب الأكاديمي في العراق، كمعهد الفنون الجميلة أو كلية الفنون الجميلة، وعن تأثير هذا الجانب في تطوير تقنية الفنان، كيف تنظر للأكاديمية الفنية في العراق وما هي ذكرياتك عن الدراسة الأكاديمية؟
□ للأسف لم تتح لي الفرصة أن ادرس في معهد أو أكاديمية الفنون، إذ قدمتُ على الدراسة المسائية عام 1974، وقد كنت الأول بالاختبار العملي وكذلك في المقابلة، وقد صدر قرار من الجهاز الحزبي في المعهد بشطب اسمائنا نحن الأول والثاني والثالث بسبب عدم انتمائنا إلى حزب السلطة، ما دفع ثلاثة مدرسين إلى تقديم استقالاتهم احتجاجاً على ذلك، ثم درست في لبنان التصميم الداخلي، إلاّ أن الحرب الأهلية اللبنانية حالت دون إكمال دراستي. لكني تتلمذت على يدي الأستاذ سعد الطائي والراحل الكبير شاكر حسن آل سعيد في المرحلة المتوسطة والثانوية، إضافة إلى دراستي الخاصة.
■ إلى أي مدى استطاع النقد التشكيلي العراقي والعربي أن يدعم الفنانين؟ وهل استفاد الفنان التشكيلي من هذا النقد فعلاً؟
□ النقد التشكيلي في العراق وفي عموم منطقتنا العربية حديث العهد مقارنة بالنقد الأدبي، لكن على الرغم من ذلك، فإن هناك الكثير من النقاد استطاعوا أن يؤسّسوا منهجاً نقدياً أعان الفنانين على أن يتلمّسوا الخطوات الصحيحة في مسيرتهم الفنية. والنقد التشكيلي اليوم أصبح جزءاً مهمّاً ومكمّلاً للعمل الفني وفاعلاً في ترسيم المسار الحقيقي للفنان للوصول إلى مبتغاه الإبداعي.