«العشيق المزدوج» للفرنسي فرانسوا أوزون: طبيبان توأمان على علاقة بمريضة واحدة

سليم البيك
للفيلم بداية قوية، ستبقى غالباً في ذاكرة السينما طويلاً، لا تمتد لأكثر من دقيقتين أو ثلاث دقائق، وهي لقطتان: الأولى للبطلة، كلوي، في لقطة مقربة جداً، يقصّ الكوافير شعرها، لتبدو لاحقاً في الفيلم كلّه بشعرها القصير، تبدو وهي تنظر إلى الكاميرا كأنها خلف قضبان، خصلات شعرها التي يتم قصّها، ما يمكن أن يفسّر علاقتها بشريكها، كامرأة، وهذا ما سنشاهده في الفيلم. تلحقها لقطة من داخل الرحم تنسحب خروجاً منه، ليتداخل الرحم مع عين كلوي، وتخرج الكاميرا منها لنجد الفتاة عند طبيبة تفحص لها الرحم بسبب آلام في المعدة، سيتركّز الفيلم على هذه الآلام المرافقة لحالة كلوي النفسية غير المستقرة، ما يجعلها تزور طبيباً نفسياً. من المشهد الأول سنعرف أن لديها مشاكل كامرأة، وأنها ليست فيزيولوجية.
مخرج الفيلم، الفرنسي فرانسوا أوزون، معروف في سيرته الفيلمية باهتمامه بأمرين قد يبدوان هنا، في «العشيق المزدوج»، في أفضل تمثيلاتهما، الأول هو الاشتغال على الحياة الداخلية وسيكولوجيا شخصياته، والثانية هي الاشتغال على اللقطات في هذه الأفلام وجمالياتها، ما يجعلها تعلق في ذهن المُشاهد أولاً، وتربط بين أحداث ومواضيع الفيلم ثانياً، كمفصل بينها، وكمحتويات لامعة بصرياً داخل السياق الحكائي للفيلم.
كلوي (الجميلة مارين فاكت، بطلة فيلم سابق لأوزون هو «شابة وجميلة»)، تخبرها الطبيبة أن لا مشاكل فيزيولوجية لآلام البطن، فتختار أن ترى طبيباً نفسياً. من بداية الفيلم تتوالى الجلسات التي تحكي فيها عن نفسها، كنوع من تقديم الشخصية نفسَها بنفسها للمُشاهد، كما للطبيب (جيريمي رينييه) الذي سيطلب منها إيقاف زياراتها لأنه بدأ بالتعلق بها، ولا بد من قبلة وهو يخبرها بذلك عند باب عيادته.
تبدأ العلاقة بينهما، تمر أشهر سريعة لنراهما في بيت واحد، وقد صارا حبيبين. تكتشف شيئا بين أغراضه وتسأله لتعرف أن له أخاً، قبل أن تعرف أنه أخاه، تأخذ موعداً عند طبيب نفسي، لتقابله كمريضة وقد رأته أثناء مرورها بالباص مع امرأة، وظنّته حبيبها. يبدو أن الأخ التوأم كان يعرف بها، استقبلها وكان سلوكه معه كمن يعرفها. الفرق بين الأخوين الطبيبين، أن الأول طيّب وحنون، والآخر خبيث وعنيف، يؤديهما الممثل ذاته مع تغيير خفيف في شكله، فهما توأمان، وهذا ما ستعرفه لاحقاً كلوي، وتدخل في دوامات تجعل منها هي العشيقة المزدوجة لكليهما، والضحية كذلك، بخلاف ما يمكن أن يوحي به العنوان.
مسألة الازدواج ظاهرة أساساً في الحضور الطاغي للمرايا في الفيلم، وكيفية تصوير الشخصيات من خلال المرايا فيه، في الغرف والعيادات والصالات وغيرها. والازدواج يتخلل ذلك إلى الحياة الداخلية لكلوي نفسها، إذ تنفصل حياتها إلى الواقعي والمتخيَّل، دون أي فصل بينهما، إلا ما يمكن استيعابه لاحقاً من خلال تطوّر ما يبدو واقعياً، وذلك بنفي ما قد بدا خيالياً، دون أن يقدّم الفيلمُ ما يُثبّت أياً من العالمين أو ما يفصل تماماً بينهما، وهذا الازدواج بينهما هو الشكل الذي أظهر فيه الفيلم المشاكل النفسية لكلوي، الظاهرة، فيزيولوجياً، بأوجاع البطن التي بدأت بها الحكاية.
الفيلم عبارة علن ثريلر (تشويق) إيروتيكي، فللجنس ومشاهده بشتى أشكاله حضور أساسي وجريء، في علاقة كلوي مع كل من الأخوين التوأمين، تمارسه مع كليهما، بتباين واضح في كيفية ممارستها مع كل منهما، مع حبيبها الحنون ليس كما هي مع عشيقها العنيف، الذي يعتدي عليها ويدميها، وهذا الاضطراب النفسي لديها هو المحرّك لتطوّر الحكاية، ولأن تصل أخيراً إلى نهاية لم تكن أبداً بمستوى الفيلم بالمجمل، فقد أخرجتنا النهاية من عالم واقعي تتخلله حيوات داخلية إلى عالم فانتازي، أخرج المُشاهدَ من احتمالية وواقعية ما يحصل، أخرجه من الأرضية التي بنى عليها الفيلم حكايتَه، متسائلاً: ما الذي يحصل؟
في الفيلم (L’Amant Double) إشارات واضحة للإسباني لويس بانويل، خاصة في فيلمه «كلب أندلسي» حيث تُجرح العين بالشيفرة في لقطته الأولى، كما إلى البريطاني ألفرد هيتشكوك، خاصة في فيلمه «فيرتيغو» حيث السلالم الحلزونية، كما إلى الأمريكي براين دو بالما، خاصة في تقسيم الشاشة إلى نصفين، وهذه تقنية جمالية أحسن استخدامها أوزون، إضافة إلى علاقة التوأم في فيلم «أختان» لدو بالما، لكنّها إشارات سريعة ومنفردة وبصرية ليست جوهرية في سياق الفيلم. بالمحصلة، أتى الفيلم كإضافة نوعية إلى سيرة أوزون الشاب، السينمائية، المتطوّرة فيلماً عن آخر، وهو الآن من بين الأسماء السينمائية الأبرز في فرنسا.
الفيلم المأخوذ عن رواية للأمريكية جويس كارول أوتس، شارك قبل أيام في مهرجان كان السينمائي ونافس على السعفة الذهبية، ويُعرض حالياً في الصالات الفرنسية.
(القدس العربي)