الفلسطينية ختام هيبي… رسامة الزيتون والمرأة

الجسرة الثقافية الالكترونية

ختام هيبي (39) فنانة فلسطينية تشكيلية من بلدة شعب قضاء عكا لم ترسم في طفولتها واكتشفت طاقة فنية كامنة داخلها بجيل 28، فأخذتها وصقلتها بالتعلم والتأمل حتى تألقت ريشتها وبدأت تشق لها الطريق للعالم.
تمتاز أعمال هيبي بعلاقتها الوجدانية مع الشجرة الكريمة، شجرة الزيتون، مصدر إلهامها وبمساعدتها تعبّر عن أفكارها وأحاسيسها، كما يتجلى في لوحاتها الكثيرة.
جذوع الزيتون الضخمة المنغرسة في التراب وأغصانها الخضراء موتيف دائم الحضور في لوحات ختام هيبي الزيتية، وهي أعمال سوريالية تبرز فيها الألوان الزاهية وتتماهى فيها المرأة مع الشجرة المعطاءة التي يكاد زيتها يضيء ولم تمسسه نار.
ترمز الزيتونة للجذور ولذا توضح هيبي أن حضورها الدائم في لوحاتها هو انعكاس لتأثرها بسيرة عائلتها المهجرة داخل وطنها، بعدما طردت عام 48 من الكويكات إلى قرية أبو سنان في الجليل وبكونها مسكونة بهاجس العودة وبالأمل. كما تشير إلى أن الزيتونة مباركة ليس بالثمر والزيت بل هي طافحة بالدلالات بل أفضل رمز للبقاء، الثبات، الصمود، الصبر، التضحية، القوة والهوية.
متسائلة أليست هي شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء؟ وعن ذلك تقول معتزة «اخترت أشجار الزيتون المتجذرة بإيحاءات أنثوية إنسانية لمواجهة المجتمع، حاملة رسالة المرأة الفلسطينية المكافحة والصابرة». لكن ختام تلتفت للدلالات والهموم الاجتماعية أيضا لا لقضايا السياسة والهوية فحسب، وبعينيها أيضا تجسّد الزيتونة المرأة بجماليتها، أنوثتها وقوتها لكن القاسم المشترك الأكبر بين الشجرة وبين الأم برأيها يكمن بالعطاء، فكلتاهما تعطيان ولا تأخذان إلا أقل ما تستحقانه. ويأتي تكرار موتيف المرأة في أعمالها الفنية نتيجة كونها سيدة تقيم في مكان تعاني فيها النساء مرتين، لا سيما أنها ابنة أسرة مهجرة من قرية الكويكات المدمرة قضاء عكا. بعدما اشتد ساعدها اكتشفت أن المرأة في مجتمعها مظلومة، واستفزتها مظاهر ظلم الاحتلال وظلم ذوي القربى على حد سواء، فنذرت نفسها للتعبير عن مقاومته دفاعا عن نفسها وعن كيانها وجماليتها كمرأة مستعينة كثيرا بشجرة الزيتون.
وحتى عندما استفزتها مشاهد الجماعة في الصومال وعبرت بلوحاتها عن مأساة أطفاله وحرمانهم من الحق بالحياة الآمنة والغذاء الأساسي، استحضرت هيبي شجرة الزيتون في لوحتي «مائدة المجاعة» و»طفل الصومال». وهي لا ترسم بريشتها بل بإحساسها، كما تؤكد.
وبعض لوحاتها تنجز بمقاسات كبيرة وتستغرق اللوحة الواحدة ثلاثة شهور من التفكير والتأمل بداية قبل عملية رسم لوحاتها الزيتية، التي يكثر فيها التلاعب بالألوان المتناقضة واستخدام الأضواء والظلال دلالة على الأمل.
ختام التي أنجزت حتى الآن 60 لوحة وأعمالها تعرض في البلاد وقريبا في بيروت وأثينا تبيح أن مشاعر حبيسة كثيرة ظلت داخلها بسبب الخوف من ملاحقة السلطات الإسرائيلية ومن سلطة المجتمع المحافظ، حتى تفجرت في نهاية العقد الثالث من عمرها وكانت ريشتها حيلتها ووسيلتها. وبادرت لاستكمال تعليمها في بعض كليات الفنون الجميلة وطورّت طاقتها الكامنة، ما ساعدها للانطلاق نحو حياة جديدة.
وترى أن احترافها فن الرسم منذ سنوات رسالة ومنفعة لها وللمجتمع، لتعبيرها عن آلام وآمال الفرد والجماعة على طريقتها وبصمت.
ولم تكن طريق ختام مفروشة بالورود، بل رحلة جبلية صعبة مليئة بالأشواك، لكنها اختارت أن تكون عصامية تعتمد على ذاتها وتكرس من وقتها للتعلم والرسم لجانب تربيتها أربعة أطفال، حتى صار الرسم جزءا من حياتها وكيانها. كبقية الفنانين داخل أراضي 48 تشكو الفنانة الفلسطينية الشابة من عدم اقتناء كاف للأعمال الفنيّة ولذا ففي ظل عدم وجود جهات ثقافية راعية هي تعتمد على تعليم الرسم في ورشات للطلاب والشبيبة في المراكز الثقافية والجماهيرية.
هيبي وهي عضو فعال في رابطة إبداع الفن التشكيلي داخل أراضي 48، تشير إلى أن الرسم موهبة لكنها قابلة للتطوير والصقل، ولذا فهي تدأب على رعاية موهبة طفلها علاء ابن العاشرة الرسام الصغير ليسير على طريقها.

…..

القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى