الفنانون السوريون ومعضلة التأقلم بعيدا عن الوطن

الجسرة الثقافية الالكترونية
#اية الخوالدة
انتقلت الفنانة السورية ريم يسوف إلى الأردن عام 2012 للبحث عن الاستقرار، من أجل إكمال مسيرتها في الفن، حيث تؤمن بأن الفنان لا يمكنه العمل والإبداع في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها سوريا.
تبين يسوف: «الفن عنصر أساسي في الحياة، لكن هنالك ظروفا استثنائية لا يستطيع الفنان العمل فيها، ولذلك يبحث الفنان عن مكان مستقر من أجل القدرة على تقديم ثقافة، والفنانون السوريون يبحثون عن الاستقرار الذاتي والفكري حينما يغادرون بلدهم». تضيف يسوف: «توجهت إلى الأردن لأنني تعاونت مسبقا مع الجاليريهات في الأردن، إلا أنها كانت مجرد زيارات عمل قصيرة، ولم أكن على معرفة كبيرة بالأردن. والأمر الجيد في اتجاه الفن الأردني هو سهولة التواصل مع الخارج، خاصة الفن العالمي، وبالتالي يتمكن الفنان من الاطلاع على أعمال الفنانين الأجانب، ويسافر ويتواصل معهم بسهولة، وبالمحصلة يصبح فنانا شاملا ولديه اطلاع ثقافي واسع لا يشمل فقط تخصصه».
وحول سهولة تأقلمها في الأردن توضح يسوف:»الاختلاف بين الفئات المكونة للمجتمع تغنيه وتزيد من تنوعه، والمشهد الثقافي المحلي استقطب تنوعا كبيرا في الجنسيات. لم أجد أي صعوبة في التأقلم، كوني أملك العديد من الأصدقاء في مجال الفن التشكيلي، بينما أصدقائي الاخرون لم يتمكنوا من التأقلم والتواصل وفتح طريق فني خاص فيهم من خلال إقامة علاقات وتوطيدها مع الفنانين المحليين، خاصة أن عدد الجاليريهات الفنية محدود، لذلك أغلبه انتقائي وحذر في التعامل مع أي جديد، ولاسيما في حال كان يهتم كثيرا بنقل الفنان إلى الجهات الخارجية.
وأشارت يسوف إلى أن المشهد الثقافي الأردني يضم تنوعا هائلا في المحاولات والتجارب الفنية، خاصة من الشباب، لكن على الإعلام المساهمة بالكشف عنها، من خلال مجلة ثقافية تقدم جدولة بكافة الفعاليات الثقافية في عمان. أي في حال رغب أحدهم بحضور إحدى الفعاليات الثقافية، يقوم بالبحث عنها ولا يجدها في مكان محدد، مما يؤثر على التواصل بين المجتمع والفنان.
أما عن الصعوبات التي يواجهها الفنان السوري، خاصة الشباب، في الأردن تقول يسوف: «الحياة المعيشية بالنسبة للفنانين السوريين صعبة، خاصة انهم شباب سيبدأون من الصفر، من دون إمكانيات مادية أو علاقات عامة ولا وجود للكثير من الأبواب المفتوحة، التي تسهل لهم استمرارية عملهم الفني، وذلك يعتمد على مدى قدرة الفنان على أن يصبر ويتحمل الظروف. وبالأصل حتى الفنانون الأردنيون الشباب لا يملكون مثل هذه التسهيلات، فما بالك بالفنان السوري».
ومن الأمور التي ألقت يسوف الضوء عليها عدم وجود مكان واحد يجمع كل الفنانين، كبارا وصغارا، من ان أجل ان تلتقي الطموحات بالخبرات واشتعال التعارف والنقاشات بينهم بهدف كسر الحواجز بين الجيلين. وهي عادة موجودة في سوريا وهذا لا ينطبق فقط على الفنانين التشكيليين، بل على جميع أنماط الفنون الأخرى.
حول مساهمتها في المشهد الثقافي الأردني ساهمت يسوف في مهرجان خان الفنون، الذي تمحور حول وصل المجتمع في الفن وان يصبح جزءا منه، لكن هذه المشاركة جاءت بحكم علاقاتها، بينما الفنان السوري بشكل عام يحتاج دوما إلى وسيط من أجل ان يشارك في مثل هذه الأعمال.
وتقضي يسوف اغلب وقتها في المرسم او بين الأصدقاء وتحاول أن تغرز انتماءها وتترك بصمتها في المكان، من خلال الاعتناء بحديقتها التي تعكس خصوصيتها. وهو البيت السادس لها منذ انتقالها إلى عمان.
وأكدت يسوف في نهاية حديثها ان وضعها المادي ممتاز مقارنة بكثير من الفنانين، وتستطيع الاعتماد على لوحاتها كمصدر للدخل، وهذا يتأتى من خلال مجهود كبير، بينما يعاني العديد من الفنانين صعوبات تتعلق بالحياة المعيشية المرتفعة، حيث ان مردود أعمالهم المادية لا تتناسب طردا معها.
بينما اختار الفنان السوري الشاب مصطفى قطيفان القدوم إلى الأردن عام 2012 كونه البلد المستقر الوحيد في المنطقة، نظرا إلى ما يعانيه العراق ولبنان وفلسطين، اما السعودية فهي بلد مقيد ولا مجال كبيرا للفن فيه.
تخرج قطيفان من جامعة الفنون في سوريا عام 2011 وقدم إلى الأردن وهو لا يحمل التأملات الكبيرة، لأنه يؤمن بأن الدول العربية ما زالت في بداية الطريق لتكريم الفنان واحترامه، إلا انه شارك بورشات عمل وأقام معرضا شخصيا في «جاليري جدل».
يقول قطيفان:»مررت بظروف نفسية صعبة جراء خسارة أخي الكبير في سوريا، وبالتالي لم اكن متابعا كبيرا للفن في الساحة المحلية، كنت أرسم من دون الاهتمام بقضية الترويج لأعمالي او محاولة بيعها». يضيف قطيفان: «في بداية وجودي في عمان، كنت أقضي الوقت مع مجموعة كبيرة من الفنانين السوريين، وأغلبهم زملائي في الدراسة، ولكنهم الآن سافروا إلى بلاد غربية، محاولين الابتعاد عن كل ما هو شرقي، والبحث عن أماكن تقدم الاحترام للفنان وتروج لأعماله وتستضيفه في الجاليريهات، بحثا عن الجو الخاص بهم. وهذا ليس انتقادا للمكان الذي وجدوا فيه قبل هجرتهم، لكنهم كفنانين خرجوا من الحرب، ولديهم الكثير من المخططات والطموحات التي قد تصل احيانا إلى خمس سنوات في المستقبل، كما ان بعضهم اضطر إلى العمل في مجال غير الفن وهذا يعد تنازلا كبيرا وصعبا على اي فنان.
وحوله مشروعه القادم، ينوي قطيفان إقامة معرض شخصي عن الأحوال التي تعيشها المنطقة العربية في زارا اكسبو خلال الشهرين المقبلين. إلى جانب عمله الحالي في مجال رسم الكاريكاتير بأشكال متعددة وتصميم شعارات وشخصيات لأفلام قصيرة وألعاب «الاندرويد».
………..
القدس العربي