المونولوجست حمادة سلطان… صانع البهجة الذي مات مكتئبا

الجسرة الثقافية الالكترونية

*كمال القاضي

المصدر / القدس العربي

القاهرة – «القدس العربي»: في منتصف التسعينيات بدأت رحلة المونولوجست حمادة سلطان مع المرض، حيث أصيب حينها بأزمة قلبية لأول مرة، وقضى على أثر ذلك نحو شهر في معهد القلب. وأتذكر أن ما كان يؤلم محمد سلطان أكثر من المرض هو إهمال نقابة الموسيقيين له، وبصفة عامة الوسط الفني كله، حيث تنكر له الجميع ولم يقف بجواره إلا نفر من المحبين المخلصين من خارج الوسط، وقد قمت بزيارة سلطان في المستشفى وبث لي شجونه وآلامه، ولم تكن تختلف عن شكواه في الأيام الأخيرة، رغم مرور نحو خمسة عشر عاما.
الصمت نفسه والجمود نفسه والنكران نفسه، كان الفنان محمد عبد الغني يعقوب الشهير بحمادة سلطان نجم نجوم الفكاهة، وملك النكتة في فترتي السبعينات والثمانينات وأبرز من قدم المنولوج بشكله الجديد بعد الفنانين الأوائل إسماعيل ياسين و شكوكو وصفية حلمي، فقد تميز سلطان بالحس الساخر وربط بين النكتة والحالة الاجتماعية، فانتقد البطالة والعنوسة والجهل والبيروقراطية بصيغ كوميدية خفيفة، لم تعرضه للصدام مع السلطة طوال فترة حضوره وتألقه، لذا وصف سلطان بالذكاء الاجتماعي والسياسي وظل على الحياد لا يخوض في ما يؤخذ عليه، وربطته صداقات قوية بشخصيات عامة كثيرة وقدم في حفلات الكبار منولوجاته ونكاته، فاكتسب حب الجميع وتكونت لديه قاعدة شعبية وجماهيرية كبرى لم تتكون بالصدفة، ولكنها جاءت نتاج مشوار طويل بدأ منذ أن اكتشفه الإذاعي الكبير علي فايق زغلول وقدمه في حفلات أضواء المدينة عام 1955.
لم يخيب الموهوب حمادة سلطان ظنون من اكتشفوه وتحمسوا له وانطلق بسرعة الصاروخ يغني ويقدم المنولوج على طريقته الكوميدية الخفيفة، وتوسع في الانتشار وزادت شهرته وامتلك رخصة الاعتماد في الإذاعة، فصار مطمئنا لمستقبله وحياته ومن يومها تحول محمد عبد الغني يعقوب إلى حمادة سلطان وأصبح ملء السمع والبصر، وقد ساعدت شهرته على أن يقع الاختيار عليه كأول المطربين الذين غنوا على الجبهة في أعقاب نكسة 67 وبداية حرب الاستنزاف، لرفع الروح المعنوية للجنود. الغريب أن الاسم الجديد الذي صار عنوانا للشاب الأسمر خفيف الظل ابن قرية المحاميد بمحافظة الأقصر، ليس لقب العائلة ولا كنية الأب أو الجد، وإنما هو منحول من اسم صديقه حمادة الجزار، مقدم برنامج «ساعة لقلبك البرنامج الإذاعي الكوميدي الأشهر في فترة الستينيات وأحد الأعمال الكلاسيكية المهمة. بعد رسوخه كمونولوجست وتحوله عن الغناء التفت للسينما، فأخذ يقترب منها على استحياء منتقيا ما يناسبه من أدوار فقدم أفلام «الجنة تحت قدميها – درب اللبانة – دقات على بابي – خلف أسوار الجامعة – ومسرحية دلوعة يا بيه – ومسلسل رجل على الحافة «. وتواصلت مسيرته الإبداعية ثلاثين عاما، قدم خلالها مستويات وأشكالا متعددة من الفن، كانت النكتة فيها هي محور الحضور والتألق وعنصر التشويق الرئيسي، فلم تجاف الراحل حمادة سلطان خفة الظل ولا المرح، وربما هو سر حفاظه على لياقته النفسية والبدنية لفترة طويلة، رغم ما كان يعتريه من متاعب في القلب، وقد أجريت له عدة جراحات خطيرة تجاوزها صاحب الابتسامة والضحكة الأميز، ولم تظهر عليه آثارها إلا في العشر السنوات الأخيرة من حياته؟، حيث لزم الفراش رغما عنه وتحولت ابتسامة المشرقة إلى حزن دفين.
ظل الفنان الكوميدي محتملا همومه وأوجاعه قرابة العشرين عاما لم يفصح عنها ولم يتاجر بها، ولولا ان المرض اشتد عليه وتقطعت به سبل الرزق من بعد رغد لكان استمر في صمته وسكوته. من يعرف سلطان يدرك حساسيته وعزة نفسه فهو لم يتكلم عن ألمه وعوزه، إلا عندما انفض الناس من حوله وتخلت عنه النقابة التي ينتمي إليها والتي طالما تشرف بعضويتها وكافح من أجل تطويرها وبقائها. ومن المفارقات العجيبة أن الفنان الذي رحل غاضبا وعاتبا على زملائه ورفاق مشواره كان عضوا في نقابتي الموسيقيين والممثلين، وهما نقابتان عريقتان قصرتا في حق واحد من أبرز أعضائها فمات آسفا على مصيره متأسيا على حالته، وهو من كان يعقد الأمل عليهما طوال حياته ويتصور أنه يحتمي في حصون منيعة ترد عنه الفقر والأذى وتعصمه من وهن الشيخوخة وذل السؤال.
لم يحدث شيء مما كان يعتقده حمادة سلطان ورحل مغبونا مأزوما مكسورا وهو من أضحك الجميع ونشر البهجة وملأ القلوب سعادة وفرح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى