النشاط التشكيلي في بيروت يقول بحيوتها رغم محاولات قتلها… 40 جاليري بعضها يحتكر فنانين… ومخضرمون يبيعون بالمتر المربع

الجسرة الثقافية الإلكترونية
المصدر: القدس العربي
تقاوم بيروت محاولات قتلها، وتجتهد للانتصار على محبطات السياسة والاقتصاد المزمنة في لبنان. في الثقافة فنون المقاومة بارزة، منها ذاك المد المتواصل من صالات الفنون التشكيلية. بحسب مجلة AGENDA CULTUREL يبلغ عدد الصالات في بيروت الكبرى 40. قد يراها الناظر من بعيد كثيرة لوطن الـ10452 كلم مربع. المعنيون يؤكدون على حيويتها، وفعلها الملموس في الحياة التشكيلية وفي بورصة البيع. ويعلنون عن وجود زبائن للصالات جميعها. بعضهم محلّي الإقامة، وآخرون يقصدون بيروت بحثاً عن المميز، أو هم يقصدون المحترفات مباشرة من دون المرور بوسطاء. من الفنانين من تخطى إبداعهم المساحة العربية وصولاً إلى الصالات والمتاحف العالمية. فنانون لأعمالهم بدل يُحتسب بالمتر المربع. وهم صاروا هدفاً من مبحرين عارفين بخبايا إبداعهم وبصمتهم، منهم حسين ماضي، أمين الباشا، حسن جوني، محمد الرواس، فاطمة الحاج، محمد قدورة وآخرون.
في بحث عن جمهور اللوحة التشكيلية في بيروت ثمة تنوع، متأملون جدد يشدهم «برستيج» التفرس في معرض بحثاً عن لوحة تُدفئ برودة جدار الصالون، وتتآلف مع ألوانه، وتضفي عليه أبهة، وهذا مهم. ويقول المختصون بسوق الفن إن هؤلاء يشكلون 90 في المئة من حركة البيع المحلّي. ومنهم العارف المتذوق لهذا الفن، إنما بقدرات محدودة. وآخرون ورثوا لغة التواصل مع الفن وعايشوه في بيوتات تنتمي للعراقة، وبعضها الآخر ينتمي لثقافة ذات جذور.
وفي لبنان صالات تبحث عن الأعمال المتميزة، وليس لشهرة الفنان ومدى الإقبال على أعماله أثر في تقديمه بمعرض. وصالات تحرر عقوداً مع الفنانين، خاصة الجدد منهم ولسنوات، تعرض أعمالهم وتقتطع نسبة أرباح كبيرة، وتمنعهم من العرض على غير جدرانها. الرقم المتداول عن أتعاب الصالات لدى تنظيمها هذا المعرض أو ذاك أنها تقتطع نسبة 50 في المئة من الأرباح. وصالات أخرى تحتفظ بلوحة أو لوحتين كحق مكتسب من معرض لم يشهد بيعاً.
المميزون في عالم التشكيل في لبنان كثر، لوحات بعضهم سجلت رقم بيع لافتا. فقد تجاوزت بعض أعمال الفنان حسين ماضي الـ 100 ألف دولار في دبي. حركة التشكيل الثقافي هذه حتمت السؤال عن واقع الصالات، وحركة الثقافة الفنية في لبنان. كانت «حرب الإلغاء والتحرير» في سنة 1989 في أوجها، عندما قرر صالح بركات تأسيس جاليري أجيال في الحمراء. وكان الأول في بيروت بعد الحرب الأهلية. بين ستة وثمانية معارض تقيم أجيال سنوياً. الحاسم في قبول معرض دون آخر؟ برأي بركات: تراكم الخبرة على مدى 25 سنة في أجيال يترك الرد صعباً. هو زمن كفيل بشهرة للجاليري لدى كافة الفنانين، كذلك يزورنا طلاب الفن، هو مسار متداخل. في سياستنا شغلني في الـ15 سنة الأولى من عمر أجيال أن تعود بيروت مركزاً مهماً للفن العربي الحديث والمعاصر. كان ملاحظاً رغم سنوات الحرب الطويلة، ما من مدينة أخذت مكان بيروت. فمع إقفال جاليري فارس في باريس، لم يعد هناك وجود لفنانين عرب في الجاليريهات الغربية. رغبت بتوفير فرصة لمن يريد شراء أعمال لعرب، وليس شراء الفنان اللبناني في لبنان، والمصري في مصر. ففي أعماق قناعتي أن التداخل الثقافي العربي موجود حكماً. إنما في السنوات التالية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن ثم العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز/يوليو 2006 تطورت الساحة الفنية في كل من دمشق، القاهرة، عمّان، دبي، قطر وغيرها. لهذا المشروع الثقافي العربي الأبعاد لم يعد ملحاً، بل التركيز على لبنان.
في مشروع أجيال البحث عن المواهب وتبنيها وهي على مقاعد الدراسة. منهم من صار مشهوراً، مثل أيمن وأسامة بعلبكي، تغريد درغوث، عبد الرحمن قطناني، عمر فاخوري وآخرين. إلى منطقة البيع ندخل للسؤال كم يفرض الفنان الذي يبيع معرضاً؟ يقول بركات: لا ندّعي بأننا متحف أو مركز ثقافي، وعلى الجاليري تأمين استمراريته. وهذا يتم عبر توازن دقيق بين فن منتج اقتصادياً، وآخر يُهيأ ليكون منتجاً. هو خيط رفيع يفصل بين الفنان المتمكن من السوق الخاص به، وبين من نجرب البناء معه ولسنوات. ندخل هذه اللعبة بحيث يبقى للجاليري رصانته، وكذلك مساحته مع التجريبية. فأهمية الفن في قدرته على كسر الحدود والتطلع نحو الأمام. في جانب آخر يفصح بركات بأن اللوحة تخضع للمساومة ضمن أطر. الزبون القديم، والآخر الذي يرغب بخمس لوحات نسايره، ونقسّط لمن تربطنا به علاقة طويلة. أسعار الفن واضحة، وهامش التصرف صغير. من يشتري خمس لوحات؟ من لديهم مجموعات، ومن يحكمهم الشغف. هو نوع إيجابي من الإدمان يؤمن الرضى لصاحبه. في العلاقة المالية التي تربط أجيال بالفنانين يقول بركات: نتبنى الفنان وبمخاطرة متبادلة. يراهن أحدنا على الآخر. وقد نتحمل عبأ الفنان لسنوات، حيث نعرض ولا نبيع. من يبيع يغطي تكاليف من لم يبع. عملياً دخلنا اليوم من فنان صرفنا عليه منذ 20 سنة، ومنه نصرف على من سيكون له انتاج بعد 20 سنة من الآن. الفن استثمار طويل الأجل. أول عشر سنوات من عملي هدفت لتحصيل بدل الإيجار والكهرباء. حالياً نحن مؤسسة لها مريدوها. ينظر صالح بركات لفكرة الـ»آرت فير» بعين إيجابية. فمن يسافر إلى دبي يرى عشرات المعارض لعشرات الجاليريهات وفي مكان واحد. ولأن دبي واحة استقرار في العالم العربي، ومدينة ارتيادها سهل، وكثيرون يدخلونها من دون تأشيرات. أما بيروت فتقتلها الزحمة، والتأشيرة إلى بيروت ليست بمتناول الجميع.
الفنان الذي يفرض إبداعه على جاليري صفير- زملر من لديه فكر متناسق مع عمله، وهذا يتبلور على مدى سنوات. «نتابع تطور الفنان على مدى سنوات حين تكون طبيعة عمله تتناسق مع عملنا، نتوجه إليه ونوجهه. وهذا ما تنبثق عنه اعمال تُعرض في العالم وفي «آرت فايرس والبناليز» العالمية. نحن نتابع الفنان منذ لحظة ولادة فكرته، حتى اكتمال العمل وعرضه محلياً وعالمياً. نتبني الفنان، ولا نعرض لغير من نتبناه. مجموع فنانينا 33 حالياً، وهم ينتمون للبنان ودول عربية، ودول أجنبية.» ليس لجاليري صفير – زملر أي شروط على الفنان، فهو ليس من يتوجه إلينا، بل العكس، وهذا ما تقوم به اندريه صفير منذ 30 سنة، وهي تحمل شهادتها باختصاص تاريخ الفن. تفصح عن صعوبة إقبال الناس لشراء الفن المعاصر، كون وجوده صعب في المنازل العادية لحجمه. تطلبه المتاحف، ومنها سيبصر النور في بيروت قريباً. تطلبه تلك الأعمال المؤسسات، والمتاحف العربية والعالمية. من يطلبه من الناس يمتلكون مساحات كبيرة. ليس هدفنا تقديم قطع تزين حائطا أو مكانا ما، فكل معرض نقدمه له هدفه الاجتماعي والسياسي. من فناني صفير زملر ربيع مرورة، أكرم زعتري، وليد رعد، دليل ربح، منيرة الصلح، هايك أفازيان، وائل شوقي، مروان رشماوي، إتيل عدنان وآخرون. في لبنان والدول العربية يعرض هؤلاء معنا، وفي العالم هم أحرار.
بدأ جاليري آرت فاكتوم العمل في نهايات 2011 وعرض لسنتين ويزيد فناً تشكيلياً، ومن ثم أضاف إليه التصميم. في تفسير هذه الاضافة تقول رنا ظاهر: نعرض تصاميم 3D وهي غير مخصصة للجدران. وإن قررنا عرض مقاعد، فلن يتعدى عددها الـ12، تباع ولا يصنع منها مجدداً. عرضنا فوتوغراف لفنانين تشكيليين يعملون معنا. لميا جريج من الفنانات المهمات قدمت معرضاً فوتوغرافياً يحكي الحرب الأهلية. المصورة ليلى علاّوي «مغربية» أعدّت معرضاً صور المواطنين الملتزمين بالعادات والتقاليد القديمة في لباسهم. والهدف تأريخ تلك الحضارة الآخذة في الاندثار. بعض الفنانين يرغبون المشاركة في معارض لها ثيمة العادات والتقاليد، وآخرون يرغبون بتصوير الطبيعة، أو المباني التي تهدم. ترفض ظاهر أن تكون آرت فاكتوم تصوب على المشاهير من الفنانين، وتقول: لدينا الكثير من الفنانين في بداياتهم. نحن ندعم الفنان ليس لأنه يبيع فقط، بل لفنه الملهم لكل مشاهد. سوق اللوحة موجود من خلال الزبائن الخاصين بنا، ونادراً ما يدخل متفرج ويشتري. من زبائننا لبنانيون، عرب، وأجانب. زبائننا الدائمون يحصلون على تخفيض بالأسعار.
عزت هاشم مدير العلاقات العامة في جاليري مارك هاشم، يقول بعشرة معارض سنوية يتم تنظيمها. ولأننا نستقبل الفن المعاصر، فكل من لديه تكنيك أو لمسة جميلة نستقبل أعماله. زبائننا من لبنان، وغالبيتهم يرغب إضافة جديد مميز إلى مجموعته الفنية. ولأننا نمتلك معارض في باريس ونيويورك، لذلك لدينا من يقصدنا من لبنان والخارج. السيرة الذاتية للفنان تشجع للعمل معه، ولإنتاجه دوره الأساس في حسم تنظيم معرض له. ويضيف عزت هاشم: نعمل مع فنانين ناشئين وندعمهم للوصول، بمجرد أن نكتشف لفتة خاصة مميزة في أعمالهم. قد يقدم الجاليري بعض الحسومات في أسعاره، لكننا نرغب بالحفاظ على اسم الفنان وقيمته. مبدأ الجاليري ليس البيع، بل أيضاً الحفاظ على الفنان والمساهمة في أن يكبر اسمه أيضاً وأيضاً. في لبنان من يستثمر باللوحات الفنية عندما يلمس أن فناناً لديه مميزات. يشترون له مراهنين على مستقبل أعماله.
في لبنان مجلة تحمل اسم Agenda Culturel ، تأسست قبل عشرين عاما على يد أميل نصر وراغدة طويلة، وهي تحمل على صفحاتها ترويجاً لكافة المعارض الفنية، والنشاطات الثقافية. تقول طويلة في حيثيات تأسيس تلك المطبوعة: يُعرف لبنان بأهمية وتعدد نشاطاته الفنية، منها الموسيقى، الفن التشكيلي، المسرح وسواه. وفي لبنان بحدود 700 مؤسسة جميعها يعمل في تنظيم النشاط الثقافي ونشر روح الثقافة. عندما أسسنا المجلة كنا نشعر بانبعاث جديد للحياة الثقافية في لبنان. في احصاءات سنة 2014 أعلنا في المجلة عن حوالي 2000 نشاط ثقافي. نعمل كذلك على نشر تلك النشاطات عبر كافة وسائط التواصل الاجتماعي، وعبر موقعنا على شبكة الإنترنت، وهو موقع شامل ويشبه المجلة الثقافية. تشكل المجلة مرجعاً تستند إليه وزارتا الثقافة والسياحة والإعلام. جميع صالات الفن التشكيلي تتعامل معنا بهدف وصول الترويج لنشاطهم إلى أكبر عدد ممكن من الناس. ونحن نتزود منهم بالمعلومات وبطريقة منتظمة. في لبنان 40 صالة للفن التشكيلي أكثرها موجود في بيروت الكبرى. شهد لبنان في سنة 2014 بحدود 400 معرض فن تشكيلي ليس جميعها في الجاليريهات، فالجامعات تهتم جداً بالمعارض، والمراكز الثقافية وغيرها.
Agenda Culturel بنسختها المطبوعة توزع للمشتركين على مدار العام، تصلهم كل اسبوعين إلى العنوان المحدد، بمبلغ 60 ألف ليرة لبنانية سنوياً. والنسخة الإلكترونية متاحة للجميع. بدأنا الطباعة باللغة الفرنسية كونها لغة جامعة بين من يتحدثون أكثر من لغة. لاحقاً علمنا مدى أهمية اللغتين الإنكليزية والعربية.
وصف رئيس جمعية الفنانين التشكيليين الفنان إلياس ديب واقع الفن في لبنان انطلاقاً من عدد المعارض التي يشهدها سنوياً بالصحي. وأضاف: مع هذا الكم الهائل من المعارض التي تشهدها بيروت يمكن القول بأن المراكز الثقافية في المناطق ناشطة أكثر من الجاليريهات، بدءاً من طرابلس، صيدا وجبيل. مراكز تنظّم معارض دائمة. في حين تراهن صالات العرض على الربح المادي، وتعتبر العاصمة سوقاً. كذلك للجامعات نشاطها في معارض سنوية للطلاب والخريجين. وفي الحديث عن الفن التشكيلي لا بد من ذكر المحترفين، هؤلاء لن يوجدوا في معارض الجامعات، بل في الصالات، وفي قصر الأونيسكو تحديداً، حيث الصالة هي الأفضل في بيروت من حيث التجهيز. والصالات التي نطلق عليها تعبير جاليري أهدافها تجارية، والكسب المادي أساس وليس الدفاع عن الإبداع.
يرى ديب بقول بعض الجاليريهات برعايتها للفنان منذ نعومة أظفاره «أسراً له. ففي العقد تُملى عليه شروط وقيود. فلا يسمح له المشاركة بمعارض جماعية من دون إذن. ومنهم من يحتكر أعماله. وإن تحكم صاحب جاليري بفنان وراح يسوق له، يأسره ويعامله كموظف. ويطلب منه نوعية أعمال يرغب فيها زبائنه، وبالتالي يفتقد حريته الإبداعية. كجمعية هدفنا رعاية الإبداع، السماح للفنان بالعرض المستمر، وبالمناسبات التي تتوافق مع عمله. نقيم في صالتنا معارض متخصصة، وتبلغ الثلاثة سنوياً. وكذلك معارض خارج الجمعية وفي أماكن تستوعب بحدود 100 فنان أحياناً. ونعد لمعرض الفن البصري بنسخته السادسة، الذي سيقام في قصر الأونيسكو.
في جمعية الفنانين 380 منتسبا بينهم 80 من الفاعلين. وقد انشأت الجمعية منصة ينطلق من خلالها الفنانون في الجمعية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة. ومن خلال موقعنا الافتراضي، بحيث يتاح للفنان أن تكون له صفحته الخاصة يعرض فيها أعماله. وتلعب هذه الصفحة دوراً تسويقياً. فله الحق بنشر بدل لوحاته وبيعها اونلاين. ينهي رئيس جمعية الفنانين إلياس ديب.