بهدف كسر الرتابة و الملل وجذب الجمهور: هل نجحت تجربة مصاحبة الموسيقى للأمسيات الأدبية؟

الجسرة الثقافية الالكترونية

*اية الخوالدة

المصدر /القدس العربي

 أصبحت الموسيقى اليوم جزءا لا يتجزأ من الأمسيات الثقافية وحفلات تواقيع وإشهار الكتب، وهي في أغلبها ليست سوى وسيلة جذب للجمهور، من أجل حضور مثل هذه الأمسيات التي في الغالب لا يوجد فيها سوى المتحدثين، وهذا الأمر ليس بالجديد، حيث يختار معظم المتابعين للأمور الثقافية ما يجدونه ممتعا بعيدا عن الأجواء الجامدة والكئيبة والمصطلحات الكبيرة، لكن هل حققت هذه التجربة نجاحا، أم أنها كانت مجرد موسيقى ثانوية مصاحبة وفي بعض الأحيان أثرت سلبا؟
التقت «القدس العربي» مجموعة من الكتاب وكان لنا هذا التحقيق الذي اختتم برأي أحد الموسيقيين الذين كانت لهم مثل هذه التجارب.

المواءمة بين جو الأمسية وطبيعة الموسيقى يحدد نجاحها

يرى الكاتب عامر الغرايبة أن الموسيقى المصاحبة للأمسيات الأدبية يمكن أن تكون جميلة ومفيدة في إضفاء جو مريح يساعد على فهم وتحليل النص الأدبي، أو تجعل الحفل ممتعا، ولكن المسألة تخضع لنوع الحفل أو الأمسية وقدرة الموسيقي على عزف لحن جميل يقارب الجو.
وحول تجربته الشخصية، قال الباحث والكاتب مجدي ممدوح: «لي تجربة لا يمكن تعميمها كنت غير مرتاح للموسيقى المصاحبة لأمسية أدبية حضرتها.. كانت مزعجة وضاربت على كلام الأمسية، مما يعني أن الموائمة بين جو الأمسية وطبيعة الموسيقى هو ما يحدد مدى استفادة الحضور من الموسيقى المصاحبة.
وإذا كانت الموسيقى تؤثر على عمليةَ الفهم والتفكير، فإنني أعتقد أن العمل المصحوب بموسيقى هادئة ومسكنة سيساعد المستمع على التفكير، والتحليل العميق والسريع، وقد تساعد الموسيقى على تطوير موقف إيجابي للمستمعين وتزودهم بمحفزات أكثر للاستمتاع، فالموسيقى لها تأثير إيجابي على المهارات الشخصية للفرد.
وكان قد قرأ ممدوح في أحد البحوث الحديثة أن الصمت بين نوتتين موسيقيتينِ يسبب تحفيزا لخلايا الدماغَ والخلايا العصبيةَ، المسؤولة عن تطويرِ الذاكرةِ الحادّة وموسيقى الناي، وآلات أخرى يوصى بها لتحسينِ التركيز والذاكرة وتَلعب الموسيقى دوراً حيوياً في تَحسين الإبداع أيضا، حيث تسبّب زيادة تركيز الدماغَ وبالتالي تفيد المستمع في تحفيز مراكز الإبداع.

الموسيقى وسيلة لجذب الجمهور إلى الفعاليات الثقافية

فيما يعتقد مجدي ممدوح أن الفقرة الموسيقية في الأساس مخصصة من أجل استدراج الجمهور إلى الفعاليات الثقافية، حيث أصبح التحدي الأساسي في النشاطات الثقافية هو الجمهور، فالجمهور الثقافي قليل العدد وهو في تناقص مستمر، ولقد صدم الكثير من المثقفين بأن الحضور كان يصل إلى الصفر أحيانا، وهذا بالطبع يمثل جرحا نرجسيا للمثقف، سواء كان شاعرا أو قاصا.
«الجمهور الذي يأتي لسماع الموسيقى لا يمت بصلة إلى الجمهور الذي يأتي لسماع الثقافة، والعكس صحيح إلى حد ما». ويبين ذلك ممدوح بقوله»إن جمهرة المثقفين لا تلتفت في الأغلب إلى الفقرة الموسيقية، هناك بعض الاستثناءات النسبية، سواء على صعيد الجمهور أو على صعيد حفلات التواقيع نفسها، هناك بالتأكيد جمهور نوعي يتذوق كلتا الفعاليتين، وقد لمسته في نشاطات نادي أسرة القلم في الزرقاء، وفي عروض هشام البستاني. وهناك أيضا استثناءات في الفعالية نفسها، حيث أن بعض الفعاليات الموسيقية تكون بالفعل مندمجة مع الموضوع الثقافي المحتفى به، وهذا ما حققه البستاني جزئيا، ونأمل له المزيد من النجاح في هذه المهمة الشاقة. وآمل من البستاني وغيره أن يحلوا مسألة العلاقة بين الأجناس الفنية وكيف يمكن الوصول إلى التعبير عن الحالات بطرق فنية متعددة».

تواقيع الكتب ظاهرة احتفائية كرنفالية ولا بد من الموسيقى

ينظر الكاتب جعفر العقيلي بعين متسامحة إلى تجاور الفنون الإبداعية، ويؤمن بتشابكاتها وتداخلاتها معاً لخلق ما يشبه السيمفوني إن أُحسن تدبير الأمر! ويتابع العقيلي حديثه: «حفلات توقيع الكتب ظاهرة احتفائية كرنفالية بالكتاب وصاحبه، وفي الاحتفال يجوز أن نستعين بالموسيقى، فكيف الحال لو وُظفت هذه الموسيقى بشكل ملائم مع قراءة أدبية لكاتب بصوته أو بصوت سواه من مُجيدي الإلقاء؟ وسيكون الأمر جميلاً، وباعثاً على التأثير وجذب اهتمام الجمهور وإمتاعه. أوَليس من غايات الفن الإمتاع أيضا؟».
وحول دور الموسيقى في مثل هذه المناسبات، قال العقيلي: «أما كون الموسيقى في حفل التوقيع متناً أم هامشاً، رئيسية أم ثانوية، تضطلع بدور البطولة أو تتوارى في المساحة المخصصة للكومبارس، فهذا ما لا يمكن الحكم عليه بالإطلاق، لأنه يعتمد على حضور النص الأدبي خلال الفعالية، ومدى تعلقه مع النص الموسيقي، فربما يتسيد النص الأدبي المشهد للحظات، ثم يخبو فتنهض الموسيقى، وقد يحدث العكس أيضا».
وفرق العقيلي ما بين الموسيقى في أمسيات السرد والأمسيات الشعرية، مبينا: «وهناك من يستعين بالموسيقى لتكون خلفية خلال أدائه نصه الأدبي أمام الجمهور، خاصة إن كان شاعراً، بينما يفضّل كتّاب السرد أن يقدم الواحد منهم نصه أو مقاطع منه، يتلو ذلك فقرة عزف موسيقي، بمعنى أنه يمنح للنص حضوره المستقل، كما أن للموسيقى حضورها المستقل. وعموماً، أرى أن الآلات الوترية، والنفخية بدرجة أقل، هي ما يناسب حفلات توقيع الكتب».

نجاحها يعتمد على بروفات مُسبقة

كانت للموسيقار طارق الجندي بعض التجارب الناجحة في توقيع الكتب، خاصة تلك الأمسيات التي أعطت مساحة منفصلة للموسيقى بين القراءات الشعرية، وحولها يبين الجندي: «الأمسيات التي تمنح مساحة منفصلة للموسيقى بين القراءات الشعرية توضح الاندماج الكامل بينهما، كونها تمنح جوا أجمل تنويعا للجمهور».
وبهدف أن تكون الموسيقى عبارة عن خلفية للشعر يتطلب ذلك تمارين مسبقة بين الشاعر والموسيقي للخروج بجو عام تدعم به الموسيقى الشعر ولا تغير فكرته. ففي بعض الأحيان تؤثر الموسيقى سلبا على الجو الأدبي، خاصة القراءات الشعرية والقصائد.
ومن جانب آخر يرى الجندي أن المساحة المنفصلة لكل منهم تمنع حدوث منافسة على دور البطولة، وتبقى تجربة تكسر حدة الملل والرتابة، خاصة إذا كانت الأمسية كلها عبارة عن شعر أو سرد أدبي أو موسيقى لوحدها. والموسيقي الناجح يتعامل مع الشاعر على أنه آلة ليتمكن من محاورته وتحقيق الانسجام والتناغم معه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى